بينما كنت أتصفح إحدى الجرائد صادفت مقالاً للكاتب المصري أحمد الدمنهوري يصرخ فيه؟
في أي عصر نحن؟ هذا ليس عصر العلم، ولا سطوة العلماء ، ولا صوت العقلاء والحكماء، ولا هو عصر الفكر الذي يسبق العمل، ولا هو عصر الحكمة ولا التأمل ، ولا البحث عن الذات لتحقيق السعادة للنفس والآخرين، ولا هو عصر الشوق إلى المدينة الفاضلة التي شغلت الفلاسفة، ولا هو عصر الرسالات ونشر القيم والحق والخير وعبودية الله وحده كما دعا الأنبياء.
عموم الناس في كل عصر يحتاجون لمن يوجه قيمهم وسلوكهم ولمن يملأ أوقات فراغهم ، فهم كالوعاء القابل لما يوضع فيه .. لذا كان الناس على دين ملوكهم.. وفي عصرنا صار الناس على دين إعلامهم وإعلامهم لمن يدفع ، فهم على دين أصحاب رؤوس الأموال فيهم..
نحن في عصر المال والهوى، حيث القيمة في الإنجاز، نحن في عصر الإنسان العامل ، الإنسان الآلة ، الإنسان الذي غايته في الحياة أن يجد مسكنا ووظيفة ، أو بعض المال حتى إذا مرض وجد علاجه حتى لا يحتاج إلى غيره ..
نحن في عصر الإنسان العامل، والمرأة لابد أن تساهم في زيادة ثرواتنا حتى لا تكون يدا معطلة ؛ لأنها إذا لم تعمل يقل الإنتاج ويتعطل نصف المجتمع .. اما أمور التربية والتعليم ورعاية الأسرة فهي لا تجلب المال ، لذا ليست مهمة ..
سنبنى المدارس والجامعات وننشيء المجلات العلمية التي لا تخدم العلم بقدر ما تكون وسيلة لجلب مزيد من المال ، فالعلم في خدمة المال ، والمال هو الغرض الأعظم!
لا وقت للتفكير ، فالفكر معناه ضياع وقت ، والوقت بفلوس ، فلا داعي للتفكير ، نحن سنفكر بدلا منك ..
هل تريد المتعة ، سنعطيك كل أنواعها بغض النظر عن القيمة أو الحلال والحرام ، فهذه كلمات لا معنى لها ، المعنى الوحيد هو الربح، سنعطيك المتعة بشرط أن تدفع الثمن…
هل تريد الراحة النفسية ؟ هل تعبت من السعي ؟ سننشئ لك العيادات النفسية ، ونوجه دراسات علم النفس والصحة النفسية ، وسيكون معيار المرض النفسي هو عدم القدرة على الإنجاز ، أو أداء واجبات الدنيا ، أو التوقف عن الحركة .. فطالما تستطيع الخروج لأداء واجباتك والقيام بعملك ؛ فنفسك ليست مهمة ، أو أنت لست مريضا في الحقيقة ، فقط تريد بعض الترفيه أو التغيير لتستمر في الإنجاز والعمل .. ما رأيك في مزيد من النساء أو الخمور؟!
هل تبحث عن الغاية من الحياة؟ وماذا بعد الموت ؟ هل تفكر في الموت واللا معنى من السعي ؟ لا تقلق ستنسى هذه الأسئلة في سيل من المتع الحسية والشهوات التي ستغرق فيها لأذنيك حتى تعود هذه الأسئلة تافهة ويعود الدين مكانا للمتخلفين عقليا .. سنظهر لك التناقض في الأديان، وسنوهمك بمثالية وسنحاكم الأديان إليها ، وسنجعل كل الأديان سواء ، وسنسمي الفلسفات وافكار البشر وخرافات الشعوب أديانا، وسنخرج لك كل أخطاء المتدينين ونلصقها بالدين ، وسنوجد “باحثين” تتعلم من خلالهم أن الأديان خرافة وأن الإنسان هو الذي خلق الإله لا العكس!
.
كل ذلك لتغرق في سيل من الحق الملتبس بالباطل فامامك أربعة آلاف “دين” فلا وقت للبحث في أيها أصح .. ستفقد القدرة على التفكير ، خاصة مع عدم وجود وقت للتفكير.
هل تفكر في الانتحار لشعورك باللا معنى؟ هل يئست من الحياة ؟ هل تريد الموت ؟ سنوجد لك القوانين التي بها تنهي حياتك بشياكة من غير أن يرى الناس آلامك قبل الموت ولا أثناء الموت ، الموت الرحيم حل لطيف ، أو الموت البطيئ في المصحات النفسية ، أو أثناء العمل ، أو بالامراض المزمنة المتولدة من ضغط الدنيا وكثرة مطالبها .. سنخلق لك في كل وقت غرضا تسعى إليه لتنسى فكرة الانتحار واللامعنى!
هل ضعف جسدك الهزيل وما عاد في استطاعته أن يلهث وراء الخمور والنساء والشهوات ؟ لا تقلق .. سافر واستشكف كل شيء إلا نفسك ، يمكنك ممارسة اليوجا أو اعتناق الديانات “الروحية” التي تهدئ من روعك قليلا .. المهم أن يضيع وقتك وتفقد زهرة عمرك حتى إذا وصلت لشيء من الحقيقة في نهاية سنواتك المكتوبة لم تجد من يسمع لك .. إنها حكايات كبار السن المملة!
.
نحن في عصر الإنسان الشيء ، حيث يصبح مادة استعمالية ، قيمتها في استعمالها ، فهي بلا استعمال لا قيمة لها ، لذا تجد الكثير من الناس يسعى للعمل ولو بعد سن المعاش ، وتجد المرأة المعززة المكرمة التي لا تحتاج للعمل تسعى إليه ، لأننا تربينا على أن قيمة الإنسان في جيبه، وجيبه بيد الرأسمالي ، الرأسمالي هو رب العمل إذاً فهو رب المجتمع ولايجوز المساس به.
Discussion about this post