ماذا تعرف عن قرطاجة والملكة أليسار؟!!
د. عبد العزيز يوسف آغا.
/////////////////////////////////////////////////
تقع مدينة قرطاج في تونس بالقرب من العاصمة وعلى بعد ٢٠ كلم. وكأغلب شقيقاتها الشرقيات ، بُنيتْ المدينة على هضبة مرتفعة في محاذاة شاطئ البحر المتوسط تطل على ميناء طبيعي. كان موقعها في الأساس محطة على طريق عودة القوارب الآتية من إسبانيا ، والمحملة بالثروات ومواد الخام.
من ابرز واهم الكتابات عن تاريخ وأسطورة تأسيس قرطاج تعود إلى المؤرخ الروماني جوستين.
تبتدئ القصة مع وفاة متان ملك صور الذي أوصى بالحكم إلى أولاده بيجماليون وشقيقته أليسار (إليسا أو ديدون) التي كانت مشهورة بجمالها وحكمتها. رفض أهالي صور هذه المقاسمة وطالبوا بأن تكون مدينتهم ذات سيادة موحدة. أثار هذا الأمر انشقاقاً داخل العائلة المالكة، وخاصة بعد زواج أليسار مع عمها اشرباس الذي كان يتمتع بصلاحيات كبيرة توازي صلاحيات الملك، بحكمه رئيس كهنة معبد ملكارت. كان اشرباس يملك ثروة شخصية طائلة بالإضافة إلى ثروة المعبد التي كانت أيضا تحت تصرفه. بجماليون، حريص على الاستيلاء على سلطة وثروة عمه، فقام بقتل اشرباس. شعرت أليسار بالخطر وان حياتها أصبحت مهددة من قبل أخيها فقررت الهرب باستخدام الحيلة. ولعدم إثارة الشكوك عند شقيقها، أصدرت رغبتها في أن تستقر بالقرب منه في القصر. استجاب بجماليون مباشرة على هذا الطلب ، على أمل أنها سوف تأتي مع ما ورثته بعد موت زوجها، وبعث راسا سفنه وخدمه لمواكبتها إلى القصر.
مع قدوم الليل، أمرت أليسار اتباعها بنقل الأكياس المليئة بالكنوز إلى عنابر السفن ، ومن ثم تعبئة الرمال بأكياس أخرى أوكلتها إلى خدام الملك لوضعها على سطوح السفن ، من دون أن يدروا ما تحويه، وتوجهت مع العديد من وجهاء المدينة وكهنة المعبد الذين كانوا على علم بمخطط ملكتهم والرافضون لحكم بجماليون.
بعد إبحارهم وفي عرض البحر، امرت أليسار اتباعها برمي الأكياس المعبئة بالرمل في وسط المياه، بادعاء ذكرى زوجها الراحل والتسول عليه لقبول هذا التقدمة وليستعيد ثروته. فما لبث أن دب الخوف عند خدام الملك باعتقادهم ان هذه الأكياس مليئة بالكنوز وقرروا مرافقة الأميرة في رحلتها خوفا من انتقام الملك. وبعد ذلك توجهت المراكب إلى قبرص للتزود بالمؤن. عند وصولهم إلى الجزيرة ومرورهم بالقرب من معبد فينوس، أمرت أليسار بخطف ثمانون من الفتيات العذارى اللواتي كن في خدمة المعبد، من اجل تزويجهم للرجال الذين رافقوها.
هكذا أليسار “ديدون: المتشردة” تحدت البحار وذهبت بحثا عن “مدينة جديدة” .
وعندما حطت سفنها على الساحل الأفريقي. سعت أليسار إلى توطيد الصداقة مع السكان المحليين الذين كانوا فرحين بوصول هؤلاء الغرباء ورأوا في ذلك فرصة لإقامة علاقات تجارية وللمقايضات المتبادلة. فاوضت أليسار الملك المحلي من اجل الحصول على أراضي لأنشاء مدينة عليها، ولبى الملك طلبها وعرض عليها مساحة ما يعادل تغطية جلد ثور!؟!!! وافقت أليسار أمام استغراب جميع الحاضرين وخاصة الملك، لكن الأميرة وبحكمتها فكرت بطريقة للحصول على الكثير من الأراضي، فامرت بجلب الجلد وتقطيعه إلى شرائط رفيعة وذهبت إلى هضبة بالقرب من المكان وطلبت من اتباعها بإحاطة هذه الهضبة بتلك الشرائط التي أخذت من الجلد ، وبفضل هذه الحيلة، حصلت الأميرة على مساحة أوسع مما كانت تبغيه.
من ذلك الموقع اطلق اسم بيرصا على هذا المكان نسبة لجلد الثور.
توافدت الشعوب المجاورة إلى “المدينة الجديدة”، على أمل الربح وتحقيق المكاسب، مع بضائعهم وسلعهم لبيعها إلى هؤلاء الأجانب، واستقر العديد من هذه الحشود مع الصوريين. وأتى أيضا وفد من أوتيك محملين بالهدايا بحكمهم أقارب واهل وشجعوهم لإنشاء مدينة على هذا المكان حيث قادهم المصير ولجأوا. أراد الأفارقة أيضا الحفاظ على هذا الوجود التعددي. هكذا، وبفضل موافقة وبركة الجميع، تأسست قرطاج بعد أن تقرر تسديد جزية سنوية لاستخدام الأرض.
ازدهرت مدينة قرطاج في عهد اليسار مع وصول السكان الجدد وتوافد التجار من جميع الآفاق مع سلعهم وثرواتهم. وحسب ما رواه جوستين: طمع هيرابس ملك المكسيتن – السكان الأصليين، بثروة “المدينة الجديدة”، ورغب الاستفادة من تطور المدينة وإيرادها، فطلب اليسار كزوجة له.
لكن الملكة لم تكن تريد الزواج مرة ثانية، وإرادتها كانت أن تبقى وفية لذكرى زوجها. فاختارت الانتحار بدلا من أن تسبب الخراب لمدينتها بسبب رفضها، وألقت بنفسها في النار.
وتختلف القصص عن نهاية أليسار لكن جميعها تروي انتحار الملكة في النار. حسب فيرجيل في كتابه الالياذة: أينياس، أمير طروادة، الذي كان متجهاً مع اتباعه إلى إيطاليا لإنشاء مدينة جديدة، شاءت الظروف، ومع تدخل الآلهة، أن يحط مراسيه على الساحل بالقرب من قرطاج مما أدى إلى لقاء الملكة أليسار ، ووقع في حبها وتناسى الهدف الأساسي لرحلته واستقر بالقرب من حبيبته.
لكن جوبيتر، ملك الآلهة، إغتاظ من هذا الوضع وظهر على اينياس ليذكره ويطالبه بالقيام بواجبه والإبحار راسا إلى إيطاليا لتحقيق ما تريده الآلهة. فلبى الأمير طلب جوبيتر وابحر مع أتباعه من دون أن يعلم الملكة.
غضبت أليسار وأمرت خدامها بأن يضرموا النار في جميع ما ترك إينياس ومن يأسها طعنت قلبها بالسيف ورمت بنفسها في المحرقة.
هذا الشعب البوني، نسل الفينيقيين الشجعان، خلق حضارة ومنطقة خاصة بثقافة مختلفة، لتصبح قرطاج إمبراطورية ويمتد نفوذها، في أوج عزها، من السواحل الليبية لتتجاوز أعمدة هرقل، وتمتد على سواحل المحيط الأطلسي، البرتغال إلى الشمال والمغرب إلى الجنوب، وامتدت أراضيها إلى إسبانيا وعلى اغلب الجزر في المتوسط (صقليا، سردينيا، كورسيكا، …). ووصلت جيوشها وعلى راسهم هانيبعل، بعد عبور جبال الألب إلى أبواب روما.
وهكذا تنتهي قصة أليسار بينما تبقى قرطاج خالدة على مر العصور.
على طريق النور نسير،،،،
وعلى المحبة نلتقي،،،،
Discussion about this post