كان صباحا مثلجا، والصقيع يمخر عباب الخبايا، عندما تلفح ذاك الصغير بثيابه الصوفية، وانطلق ساعياً إلى اللامكان، خرج من بيته المشلوح في سهل واسع، لا يعرف مقصده، أو اتجاه مسيره،.. فكل ما كان يريده في ذلك الطقس البارد، الحصول على مادة المازوت المفقودة من بيته، لأنه لا يملك ثمنها.
هو راع صغير لعائلته، ما خبر الحياة سابقاً، فسنه صغيرة، لم يتجاوز الثانية عشر من عمره، فقذ كان كل همه آنذاك، أن يحصل لإخوته الصغار على تلك المادة التي تشعرهم بدفئهم.
خرج من بيته، او الأصح من غرفته التي طواها النسيان، وبيده غالوناً فارغة، يحملها ويرفعها إلى الأعلى كي لا تلامس الأرض، فاطوالهما كانت متشابهة.
انطلق وسط تلك العاصفة على غير هدى،.. بخطوات متسارعة إلى الطريق العام، منتظراً السيارة الأولى القادمة إليه، التي تحدد سير اتجاهه، فاقرب محطة للمحروقات كانت تبعد عن بيته اكثر من خمسة عشر كيلومترا، وليس من المؤكد إذا ما كانت مفتوحة في هذا الطقس العاصف.
أنتظر الصغير على مفرق بلدته، إذ لعل هنالك من يأتي قاصذا جهة ما، ولكن دون جدوى، ودون ان يأخذ بالحسبان أمر عودته، حتى لو قدر له الذهاب إلى مبتغاه، فلا أمل يرتجى بعودته. فهو كان قد خرج من أجل عائلته التي اجتمعت حول موقدها البارد … بعد أن أوهم كبيرهم إخوته الصغار بأنها مشتعلة، فكانوا ينظرون إلى الموقد ويحدقون في ثقوبها مليا ويخبرونه أن لا نار في داخلها.
عاد ذاك الصغير مبللاً، ينفض عنه الثلوج المتساقطة، وفي قلبه غصة حارقة، فقد كان يدرك فى قرارة نفسه ان الله يراه، كما هو يراه في أحلامه المكبوتة بصمتها الغارق في سكون الليل والنهار.
Discussion about this post