للشاعر الدكتور حمد حاجي
———————-
وأجمل من عينها قطُّ لم تَرَ عيني، فإطراقة عند إنصاتها وحياءُ
كما لوحةٍ من مداد، مقوّسة الحاجبين
وأروع من كحلها لم تُكَحّلْ نساءُ
لها نمشٌ عند وجنتها، كأنّ قرى النمل في خدها والرّقوش ضياءُ
أحدثها فتلوذ، كأنّي سليمان عند مساكنها، وتُصِيخُ كأنّ الكلامَ عماءُ
—————-
إلى الكتاب الذهبي للشعر يضيف الشاعر (حمد حاجي)
رباعية لها عطر وشذى حيث تنفي نظرية البعض التي تقول بأن الشعر العربي يعيش مرحلة متقلبة وغارقة في التشظي والاختلاف مع اتهامه بالتراجع إلى الظلال، أمام بروز الرواية وفنون السرد…
وتطل علينا هذه الرباعية التي تقوم على التثليث بمعنى هي إبداع يقوم على ثلاث ركائز أذكرها مرتبة حسب ورودها في الرباعيةتتمثل في :
العين
الحاجب
النمش
—————-
بنى الشاعر هذه الرباعية
على ثلاثية
العين/الحاجب/النمش
ثلاثية يختص بها الوجه(علما أن النمش قد يكون في بقية الجسم)
—————
العين
للعين خطاب
يقول المستعين بالله:
عجباً يهاب الليث سناني
وأهاب سحر فواتر الأجفان
و يقول الشاعر حمد حاجي
{وأجمل من عينها قطُّ لم تَرَ عيني، فإطراقة عند إنصاتها وحياءُ}
حيث يرى أن عينها لها تأثير بليغ عليه
وعين الحبيبة هي مفتاح شخصية هذا العاشق…
والمثل يقول :(العين لا تعلو عن الحاجب)
والشاعر قلب الموازين وجعل العين
في المرتبة الاولى وعلت على الحاجب
ليس بالموقع وإنما بسحر الأسر وفصاحة الخطاب وبلسان العشق الصريح ،وعين الحبيبةكحلاء من غير كحل كعين غزال هكذا يراها،والحبيبة لها من الحياء نصيب،ومن حسن الاصغاء نصيب فهي تلتقط غزله بكل حواسّها والاطراقة شاهد على ذلك انها تمتص كل ايجابيات كلام العشق المباح ،وكثيرا ما تتعطل لغة الكلام ويكون للعيون خطاب آخر،ولعل العين أَجْـرأُ عضو على البوح بمكنون الفؤاد
وفي الحب العيون فاضحة وجريئة لحد الوقاحة الايجابية ..فالعين ترمق وتلحظ وتلمح وتحدج…
الشاعر يلاقي من سحر عينيّ الحبيبة
الكثير …هذان العينان فاترتان ولكنهما ما فترتا في رماية فؤاده حيث سددتا له الطعنات وأيقظتا بكل إغراء ذابلات الهوى ،فهو الطّعين الذي يحيا ويموت بنظرة منهما…هذا شاعر مطعون وسلاح العيون فتّاك على حد قول الشاعر السوداني إدريس جماع
(السيف في الغمد لا تخشى بواتره
وسيف عينيك في الحالين بتارُ)
وبكل تواضع قلت
عيناك ما عيناك
وما سر سحرهما الدفين
عيناك ما عيناك
وكيف حال المغرمين؟
———————————
الحاجب (مقوسة الحاجبين)
والحاجب له صولات وجولات وسلطان
على العاشق المتيم ،وشكل الحواجب يفضح بعض جوانب الشخصية
فالحواجب المقوسة تشير إلى شخص اجتماعي ومقبل على الحياة وهذه الحبيبة مقبلة على الحب والحب هو ماء الحياة وبه تستقيم ،وبالحب تصبح كل الحواسً حية تستشعر الجمال
والحواجب تتكلم وتعبر وتعد فعالة في لغة الجسد فهي تكشف الكثير ممّا يعتمل بداخل الإنسان ، لأنها تتأثر بنبرة الصوت وبالتالي تساعدعلى قراءة مشاعر الآخر فمثلا كلما ترتفع نبرة الصوت يرتفع أحد الحاجبين، إما تعبيرا عن الاندهاش أو التعجب أو الغضب والاستنكار وغيرها من المشاعر التي نشعر بها وقد لا نتفوه بها
والفرزدق يقول
(إِذ نَحنُ نُخبِرُ بِالحَواجِبِ بَينَنا
ما في النُفوسِ وَنَحنُ لَم نَتَكَلَّمِ)
————————————-
النمش
يَعتبر بعض الأشخاص النّمش من علامات الجمال والنمش لا يخص الوجه فقط بل قد يوجد في مواضع أخرى من الجسد فيزيدها جمالا وإشراقة خاصة عند المرأة
و في أوروبا وأمريكا، تتباهى السّيّدات، بالنمش خاصّةً المشاهير، ويعتبرنه سرّ الجمال والجاذبية، ولا يرغبن في التّخلّص منه، حيث يُعطيهن طابعا مميّزا ومختلفا لذا نراهن محاولات إبرازه بشتّى الطّرق…والنمش عندي (هو ذرّات من تبر القمر سقط من السماء وتناثر ،وحبا به الله وجوه الجميلات…)فلا غرابة أن يذكر الشاعر النمش لأنه من مقومات الجمال عند المرأة
(لها نمشٌ عند وجنتها، كأنّ قرى النمل في خدها والرّقوش ضياءُ)
بل ويرى الجمال في كثرته ومن هنا جاء التشبيه بقرى النمل والشاعر
يرقى بنفسه لمرتبةالنبي (سليمان عليه السلام)(كأني سليمان عند مساكنها)وقد يكون غرورا لان الشاعر
يعد نفسه في الشعر نبيا وقد يكون ذكر النمل ذكّر بسليمان لتستقيم الصورة الشعرية وتستحوذ على المتلقي وتكون أعمق ولها مرجعية
ضاربة في القرآن الكريم أو هو ضرب من التناص عن وحي يوحى لا غير…
النمش يعتبر سمة من سمات الشخص المتفرد بذاته المتميز عن غيره مثله مثل تفاصيل كثيرة عند المرأة لا يراها إلّا من تفرّد في حبها، وليس للنمش كيان وحده من أجل ذلك جعله الشاعر ثالث ثلاثة زوايا المثلث المقدس في جمال حبيبته
علما أن جمال المرأة يأتي من الثقة بالنفس ، كما يأتي الضوء من داخل السراج ،والشاعر تناول عبر رباعياته(وانا مطلعة عليها قراءة)كل ما يمثل جمال المرأة في المطلق
والشاعر حمد حاجي منحاز لقصائده
يحتفي كل الاحتفاء بالكلمة الشعرية في كل قصيدة فالشعر عنده يتناول قيم الجمال ولعل المرأة في المطلق هي الجمال كله
والمطلّع (قراءة جمالية)قد يلمس ان للشعر على الشاعر سلطة عسكرية يمارسها عليه ،والشعر عليه الآمر الناهي ،والشعر هو من يأتيه بالمشاهد والصور الشعرية مشحونة جمالا ويدعوه بكل جبروت ان يخلدها شعرا وقصيدة…
والاتكاء على(ثلاثية جمالية /العين /الحاجب/النمش) أعتبرها تجديدا لان غالبا ما يتناول الشعراء في اشعارهم كل المرأة من الرأس حتى أخمص القدمين ،أو بعض الاعضاء ،ويكون خص
عضو واحد (العين مثلا )بالكلام والوصف او خصّ أكثر من ثلاثة أعضاء بذلك
والشاعر هنا تفرد بثلاثية جمال في عضو واحد هو(الوجه) وهذا ما صنع خصوصية وتفردا لهذه الرباعية
دام ابداعك دكتور حمد الشاعر
**ملاحظة
بعيدا عن حرب الكواليس
ايها المنمشات لا يذهبّــن في ظنكن
ان الشعراء يكتبون(لمنمشة بعينها او لذات خال بعينها أو ..أو…الخ..)
فالجمال مطلق وليس حكرا على أي كانت أو من تكون!!)
فائزه بنمسعود
Discussion about this post