” أسرار الأيام الخفية “
ربيعة بوزناد من المغرب
الحياة لغز، وكل يوم صفحة جديدة. من يقرأ بتمعن يفهم، ومن يتسرع يفقد المعنى.” كانت هذه الكلمات تتردد في ذهني كصدى بعيد، تذكرني بأن كل يوم هو فرصة لاستكشاف جزء جديد من هذا اللغز العجيب، مستعينةً بالقوة الإلهية التي تهدينا سواء السبيل.
في صباحٍ هادئ، جلستُ أمام نافذتي أتأمل شروق الشمس الذي يلون السماء بألوانه الزاهية. كان اليوم يبدو كبداية جديدة، صفحة بيضاء تنتظر أن تُكتب عليها تفاصيل الحياة بإرادة الله. أخذت نفساً عميقاً وقررت أن أعيش هذا اليوم بتمعن، مستفيدة من كل لحظة تمر، مسترشدة بحكمة الخالق.
خرجتُ من منزلي متجهةً إلى الحديقة القريبة، حيث كان الهواء نقيًا ورائحة الزهور تعبق في الأجواء. جلستُ على مقعد خشبي، وأخذتُ أراقب الناس من حولي. كان هناك طفل يلعب بفرح، وكهل يجلس بسلام يقرأ كتاباً، وأم تحنو على رضيعها. كل واحد منهم كان يكتب قصته الخاصة على صفحات يومه، بتمعن أو بتسرع، بوعي أو بدون، تحت عناية الله وحكمته.
تابعتُ السير في الشوارع، مررتُ بالمكتبة القديمة التي أحببتها منذ صغري. دخلتُ وتوجهتُ نحو رفوف الكتب العتيقة، بحثتُ عن كتاب يحمل أسراراً جديدة، يعكس جزءًا من لغز الحياة. بينما كنتُ أتصفح الكتب، وجدتُ كتاباً مغبراً يحمل عنوان “صفحات الحياة”. فتحتُه بحذر وبدأتُ أقرأ، كانت الكلمات تتحدث عن تجارب الناس وحكمتهم التي اكتسبوها بمرور الزمن، وكأنها تسجل إرادة الله في تفاصيل حياتهم.
في تلك اللحظة، أدركتُ أن كل تجربة نعيشها، سواء كانت مليئة بالسعادة أو الحزن، هي جزء من لغز الحياة الذي يخطه الله بحكمته. كل لقاء، كل فراق، كل تحدٍ وكل نجاح، هو حرف يُضاف إلى كتاب حياتنا. فهمتُ أن التأمل في التفاصيل الصغيرة يجعلنا ندرك المعاني العميقة التي غالباً ما تغفل عنها أعيننا المرهقة بالسرعة والاندفاع.
استمريتُ في رحلتي، مررتُ بمقهى شعبي وجلستُ على طاولة قرب النافذة. طلبتُ كوباً من القهوة وجلستُ أتأمل حركة الحياة من حولي. كانت الأحاديث تتناغم مع أصوات الأكواب والضحكات، كانت هذه اللحظات تشكل نغماً جميلاً يعزف على أوتار الزمن، وكل نغمة تعكس جانبًا من جوانب القدرة الإلهية.
مع غروب الشمس، شعرتُ بأن اليوم قد حمل معه دروساً وحكمًا لا تُحصى. فهمتُ أن الحياة ليست سباقاً لنصل إلى النهاية بأسرع ما يمكن، بل هي رحلة مليئة بالتفاصيل التي تستحق أن نتوقف عندها ونستمتع بها. إن من يقرأ بتمعن وبتوفيق الله يفهم المعنى الحقيقي للحياة، أما من يتسرع فقد يفقد لذة اكتشاف هذه الحكم البسيطة والعميقة التي وضعها الله في طريقنا.
عدتُ إلى منزلي وأنا أحمل في قلبي شعوراً بالرضا والامتنان. جلستُ أمام نافذتي مرة أخرى، وأخذتُ أكتب على صفحة يومي الأخيرة: “اليوم، تعلمتُ أن الحياة لغز جميل، وكل يوم هو صفحة جديدة يجب أن تُقرأ بتمعن وبنور الله، لأن في كل صفحة هناك معنى يستحق الفهم.
ربيعة بوزناد من المغرب
Discussion about this post