بقلمي :د. عبد الفتاح العربي
تونس
إن خبراء التربية ينصحون بأهمية غرس حب القراءة لدى الناشئة، حتى تصبح عادة تتم ممارستها والاستمتاع بها و تكون القاعدة الأولى لبناء المثقف العضوي الذي ذكره الفيلسوف ڨرامش في كتابه كذلك أثبتت البحوث العلمية أن هناك ارتباطاً وثيقا بين القراءة بوعي والتقدم العلمي ، كما أنها مفيدة في جميع مراحل الحياة لأنها تفتح نافذة توسع دائرة الخبرات و الإدرام و البحث و النمو بأشكاله، وتفتح أمام القارئ أبواب الثقافة المتعددة و الكونية وتحقق له التسلية والمتعة، وتكسبه حصيلة لغوية كبيرة وتجعله يتحدث ويكتب بشكل أفضل، وتعطيه قدرة على التخيل وبعد النظر، وترفع مستوى الفهم و الوعي و المحصلة لتعميم الوعي الإدراكي المجتمعي.
لذا يجب علينا في المنزل أن نكون قدوة أمام أبنائنا وأنفسنا، فإذا لم يكن البيت غنياً داعماً للقراءة مملوءاً بالكتب فإن الارتباط بالقراءة سيكون احتمالاً ضعيفاً وعليه فإن غرس حب القراءة فـي الصغير قبل الكبير ينطلق من الأسرة التي عليها أن توفر الأساليب والأدوات التي تحقق ذلك، ومن أهمها المكتبة المنزلية أومكتبة الأسرة ، وخاصة في ظل انتشار الإنترنت والألعاب الترفيهية والفضائيات والوسائل الأخرى التي صارت تجذب وتبعد القارئ عن حبه لقراءة الكتاب، مما خلق نوعاً من العزلة وعدم الألفة بين القارئ والكتاب.
ويمكن القول إن الكتاب مازال يمثل أحد رموز التراث الثقافي وسجل الأمة الواعي على مر العصور وهو الوعاء الذي يحفظ الفكر البشري ويرتقى به في عصر دخلت فيه الشبكة المعلوماتية ( الإنترنت ) والمصادر الإلكترونية بأشكالها في صراع معه في رحلة إثبات الذات والبقاء ، وإذا كان الكتاب يعاني من مشكلات عديدة في هذا العصر فإن المكتبة المنزلية تعتبر حقيقة الملاذ الآمن له ؛ لأنه يجد فيها اهتماماً ورعاية من أفراد الأسرة والإقبال عليه واستخدامه بعناية مع تقدير أهميته ، لذا يسميها البعض ” ذاكرة الأسرة ” ، فالفرد الذي ينشأ في أسرة توافرت لديها مكتبة منزلية يكون مواطناً مؤثرًا في حياته المستقبلية داخل مجتمعه .
تعتبر المكتبة المنزلية في عصرنا الحديث ضحية العصرنة ما بين كثرة الكتب التي أصبح فيه الكتاب سلعة و ليس قيمة ثقافية و علمية و ما بين العزوف عن قراءته لأسباب عديدة منها غلاء الأسعار و وجود الكتب مجانا على الانترنت و لكن دون جدوى لخواء الرغبة لدى القاريء العربي خاصة بينما كان في الماضي من المفاخر أن تكون لك مكتبة قيمة مختارة بعناية للكتب و للكاتب .
هذا الجيل يتخلص من المكتبة بعد وفاة الوالدين مع جملة التركة لانه لا يعي معنى الكتاب و قيمته و حتى أن الكتاب تربى في ذلك البيت و أكل معهم و سمع كلامهم و صراخهم و ضحكهم و يباع و معه أسرارهم.
لكن هنالك من يعرف قيمة المكتبات المنزلية للعائلة و يحافظ عليها و يحددها و يزيد من رونقها و محتواها و يبوبها و تصبح كنزا حقيقيا حتى أغلى من المنزل و أثاثه.
تصبح المكتبة المنزلية مربية كل جيل العائلة لما فيها من مراجع ثمينة و تصبح ملاذا للبحث و يتخرج على يديها دكاترة هم اليوم يدرسون في أعتى الجامعات.
المكتبة المنزلية بنت أجيالا و شكلت فكر شخصيات أدبية و سياسية و فكرية و نهل منها الكثير و حتى أنها كانت حاسمة في سياسات دول لما فيها من رموز الفكر من الماضي و الحاضر.
Discussion about this post