قصة قصيرة بقلم الكاتب
انيس ميرو-زاخو
تزوج ( احمد )وبعد مرور أسبوع وحسب التقاليد في وقتها كانت (العروسة )تعود إلى دار أهلها لتبقى لغاية ساعة متأخرة من الليل. لتلتقي مع أهلها وصديقاتها و المقربات منها. ولتقص عليهم أمور حدثت ولَم تحدث وتفاصيل نسائيه متنوعة وكنت أنا “( حسن)” فعلاً سعيد لتولي إيصال (العروسة )لدار أهلها في تلك الأيام لم تكن هناك وسائل الراحة متوفرة وغالبية البيوت كانت قديمه وخير العوائل لم تمتلك أجهزه تكييف أو حتى المراوح التقليدية البسيطة فمع غروب الشمس كانت تجري استعدادات معينه فوق سطوح غالبية الدور في تلك الفترة. كتهيئة مكان النوم و الجلوس كانت تنصب سواتر من القماش اغلبها بيضاء أو سواتر معدة من القصب أو البردي بين تلك العوائل أو إحاطة مكان النُّوَّم و الجلوس بما يليق بالمقام ، وكانت تفرش السفرة و تنصب ما أعد من طبخ في انتظار الرجال بعد صلاة المغرب لوجبة العشاء والسمر وتكملة الفترة بشرب الشاي. ثم تقديم الفاكهة وشرب الماء البارد من الجرة ، صعدنا سطح المنزل بواسطة السلم الخشبي و تمت ترتيبات السفرة و العشاء بشكل جماعي جميل و هي مناسبة حلوة حيث الطعام متميز و لذيذ و دسم وبعد إتمام العشاء قامت الفتيات الصديقات من الجيران و صديقات (العروسة) بتوزيع الحلويات و الفاكهة على الحضور و اكتمل بشرب الشاي و توزيع اواني حبات اللب و الكرز…..؟
فوجاً ( حسن ) بما لم يتوقعه مطلقاً و سمع صوتاً ملائكياً مميزاً بنطق الكلمات و الجمل وطريقة تلفظها من قبل احدى الفتيات ، ( ليلى) صوتها كان صوتاً فيروزياً ملائكيا ساحرا كانت كلماتها عزفاً على أوتار قلب ( حسن ) رغم أن عمره لم يكن مؤهلاً للزواج بسبب صغر سنه حيث كان طالباً في الصف الأول متوسط ، ولكن شاء القدر أن دخل ذلك الصوت مع إكسير الحب إلى أعماق قلب ( حسن) من وقتها تعلق بها وبشكل غريب من أول نظرة كيف حدث ذلك و ما حل به و كان القدر حاضرا ليغير حياته كانت ( ليلى ) طالبه في (الصف الثاني )متوسط و كانت المدرسة قريبة من دار ( حسن ) فتعود أن يراقبها عن بعد سواء حين ذهابها للمدرسة أو بعد خروجها لتعود لدارها وكان غالبا ما يتابعها عن بعد. وهي أحست بفيض إحساسه العاطفي تجاهها. و تبين إنها فرحة بهذه المتابعة، وكانت في مرات معينه تبتسم له …..
أدمن (حسن) على هذه العادة وازداد تعلقه بها يوما بعد يوم ، ومرت الأيام وتجاوزت و أصبحت سنوات في وقتها لم تكن أجهزة الهاتف الحديثة موجودة بل البدالات اليدوية وهي قديمه جداً ولَم يكن يمتلك الأهالي خط الهاتف إلا العوائل المتمكنة الغنية وهم محدودون جداً فكانت الوسيلة هي متابعتها في ذهابها من دارها الى المدرسة وحين عودتها و كان دارهم تشرف على شارعين صغيرين من الجهة الأمامية و الخلفية فكان يلوح لها بالكتاب و هي تلوح له بالكتاب على أساس إنها تقرأ به ومرت سنه و سنين وهم على هذا الحال وبدأ حبها يغزو قلبه بعنف و بدأت المشاكل الاجتماعية تلاحقه من قبل فتيان الحي في منطقه حبيبته و أخذت تزداد يوما ً بعد آخر و بعدوانيه و بتعليقات قبيحة ووقحة من بعض الفتيان كيف لفتى غريبٌ عن حيهم ينسق علاقة (غرامية )مع فتاة من حيهم ..
كان ابن خالة ( ليلى ) مقيما في دارهم و يدرس في تلك الإعدادية التي كان يدرس بها ( حسن )ويوما بعد يوم ازدادت المشاكل بينه و بين ابن خالتها . وفي إحدى الليالي اشتاق ( حسن ) (لليلى )كثيرا و رغب أن يشاهدها فذهب كالعادة لكي يمر من أمام دارهم و من بعدها يكمل المسير من الشارع الخلفي للدار سمع سقوط حصوات تتساقط بالقرب منه و كان معه صديق مقربو حين التفاته للجهة الخلفية شاهدت احدهم يقذف بتلك الحصوات باتجاهه فجن جنونه و كان في وقتها يحمل مسدساً وكانت طبيعة تلك الفترة شائعة و السلاح مرغوب للتباهي أو لمهام أخرى و بشكل لا إرادي سحب المسدس و صوبه باتجاه ذلك الصبي المعتدي ورمى عدة طلقات باتجاهه و لكن للأمانة لم يقصد قتله بل للتخويف وحين شاهد هذا الصبي ردة فعله بدء يهرب بسرعة البرق متجهاً لداره ولم يكتفي ( حسن ) برمي الطلقات بل توجه لداره و طرق الباب بعنف فخرجت والدة الصبي مرعوبة من شدة الطرق و المسدس لا يزال بيد ( حسن ). فقالت :
ـ ما ذَا حدث ؟ فقال لها:
ـ ابنك رماني بحصوات ، فترجت والدته لكونه يتيم الأب ، و اعتذرت منه لهذا ترك دارهم و أكمل المشوار. و بعد رجوعه للدار لمح تلك السيدة في دارهم وهي تشتكي لعمّه ( احمد )و ذكرت له تفاصيل ما حدث فتولى عمله تأديبه بكلمات، وحاول ( حسن )أن يشرح لعمه موقفه لكن بلا فائدة ، وبعد أيام أخرى كانت (لليلى )شقيقة صغيرة هي أيضاً لاحظت كثرة تردد( حسن ) في حارتهم فتصرفت معه بشكل غير لائق ونطقت بكلمات نابيه و كان ( حسن )بحالة عصبيه حاول أن يضربها و لكن الفتاة هربت مختبئة في عقر دارها، وهنا فرح من هذا الحدث فطرق بابهم لعله يرى ( ليلى )أو تكون هي من تفتح الباب حين تخرج لتعلم من الطارق، ولكن لسؤ حضه خرجت والدتها، و شرح لها الموقف الصادر من بنتها الصغرى فوعدته بعدم تكرار ذلك من قبل بنتها وقبل الاعتذار.
في يوم آخر كالعادة كان واقفاً على تلك الربوة التي تشرف على الحي السكني لدار ( ليلى )لمح فتاة تلبس عباءة سوداء تخرج من تلك الدار و أكملت مسيرها باتجاه الربوة التي يقف عليها ( حسن )فكلما قربت المسافة بينه وبينها توضحت ملامحها أكثر وتبين إنها هي ( ليلى )التي سهرته الليالي طيلة سنين مرت هي بشخصها تسير أمامه ومرت بقربه و توجهت نحو الغدير حيث كان لهم بستان في هذا الوادي و كان يراقبها خطوة بخطوة ولكن عن بعد، كانت ( ليلى ) جالسه على حافة ضفة الغدير اصبح ( حسن )تائه لا يصدق ما يرى بعينه ضل يراقبها من أعلى الرابية وبدأت تتطلع نحوه
هذا الموقف ولد لديه إرباك نفسي و فكري و شُل قدراته كيف يتصرف وأصبح لا يحسن التصرف مع هذا الموقف ارتبك من فرحته و اصبح لا يحل و لا يربط ، فقط كان ينظر إليها و تسارعت دقات قلبه و عجز عن النطق و التصرف السليم من شدة المفاجأة و شدة موقفها الشجاع و بسالتها و تضحيتها وقيامها بهذا الموقف رغماً أنه كان لها عدد كبير من الإخوة المحترمين و الأشداء ومحافظين، تساءل ( حسن ) مع نفسه أكل هذا من اجلي ؟! اكتفت ( ليلى ) بالتطلع نحوه لعله يذهب اليها بل ضل واقفا كالتمثال جامدا لا يتحرك و لا ينطق و لم يتخذ موقفا ايجابيا ولم يتخذ قراراً سليماً، وطالت جلسة ( ليلى ) بقرب الغدير والهت نفسها برمي أحجار صغيرة في النهر ولكن حينما يأست من موقف ( حسن ) الصامت وعدم تحركه نحوها لكي يكلمها، قامت وتطلعت نحوه وملامح الغضب تتطاير من وجهها ولبست تلك العباءة ورجعت من نفس الطريق التي أتت منه وحينما مرت بقربه نظرت اليه ورمقته بنظرات عتاب والحزن يتقطر من نظراتها ، إنه القدر والحرمان والمفاجأة شلت حركاته ،ولغاية هذه الساعة رغم مرور سنين عديدة يستغرب ( حسن ) من موقفه كيف لم يستغل هذه المبادره الجريئه في تلك الفترة الزمنية التي كانت لوحدها على ضفة الغدير ، اعترف ( حسن ) انه لم يحسن التصرف ، وبعد محاولات عديدة لرؤية ( ليلى )مرة أخرى لم يحالفه الحظ وكأن القدر قد حتم هذه النهاية السلبية. لقطع هذه العلاقة رغم كونها ، أعطت فرصة واحدة ولم يستغلها ( حسن ) رغم سنوات كثيرة على ذلك و لكنه يؤنب نفسهكثيرا ومرت السنوات وتغيرت الأحوال وانقطعت أخبارها وفي النهاية علم بزواجها من ابن خالتها وسافرت إلى إحدى الدول الأوربية حيث زوجها كان يعمل مع المنظمات الأجنبية الإنسانية ولكنه كان يتابع أخبارها حتى وهي بعيدة عنه وعلم بنبأ مرضها المهلك ثم وفاتها بعدها بفترة قصيرة …وحزن حزنا عميقا لفراقها وترقب وصول نعشها إلى مسقط ولادتها وحضر مراسيم دفنها ودموعه تنزل بسخاء ولا زال حزيناً وأنب نفسه يا ترى لو تكلم معها بقرب الغدير ربما تغيرت أشياء كثيرة ، ولا زال يزور قبرها والأحداث تمر أمام عينه كأنها حدثت الان
الفرصة قد تكون لمرة واحدة فقط…..؟
Discussion about this post