كانت كلما تسأله عن سبب تأخره في العودة إلى منزل الزوجية يرجعه إلى تواجده بقرب “حبيبته” التي يحبها كثيرا أكثر من حبه لها ، فتتساءل عن موقعها في حياته ليجيبها أنها “الخير والبركة وأم أطفاله” ،فتضحك وتقبله قبلة حميمية قبل أن تجيبه ” المهم أن لي مكانة عندك بعد هذه المدة”…
وكان هذا المشهد يتكرر مرارا أسبوعيا – إن لم أقل يوميا – في غرفة النوم بعيدا عن الأطفال الذين يغطون في سبات عميق في مثل هذا الوقت، وغالبا ما ينتهي بتصالح الطرفين…
لكنها في الحقيقة لم تكن مقتنعة بما يحصل في حياتها الأسرية عامة والزوجية خاصة ، وكانت الشكوك تزداد لديها يوما بعد يوم، واقتناعها بخيانته لها تتأكد من حين لآخر، ناهيك وأن “الصادق” لم يعد صادقا معها في أي شأن من شؤون حياتهما وخصوصياتها وبات يخفي عنها كثيرا من الأمور كما تعتقد، كما أمسى شحيح المشاعر والأحاسيس تجاهها وكثير الصمت والتوهان والشرود….
لذلك ، قررت – بعد تفكير عميق وتخطيط وتدبير من أختها الكبرى التي عاشت قصة مماثلة لقصتها تقريبا – وضع حد لهذه الحيرة والقلق الذي سبب لها أرقا ووهنا دائمين ، وهدد وحدة عائلتها وتماسكها في ذات الحين…
فاتبعت خطوات الصادق خلسة من خروجه من المنزل إلى عودته إليه – وكان مقر عمله غير بعيد عن مقر إقامته – دون أن تلحظ أي شيء مريب أو غريب في علاقاته وتصرفاته ، بل إنه أمسى يقفل عائدا إلى بيته مبكرا، وكذلك الأمر نفسه حين كلفت أخاها بمراقبته وملاصقته ملاصقة ظله…
ورغم ذلك، فإنها لم تيأس ولم ترم المنديل وتخنع وتستسلم، بل كثفت من مجهوداتها وتفكيرها وتخطيطها واستنجدت بحواراتها السالفة مع الصادق منذ أن مرق الشك عقلها وقلبها – منذ ما يزيد عن السنتين -، وتذكرت هذا الحوار الذي تكرر أكثر من مرة في الماضي كلما توفرت نفس الظروف والأسباب المواتية له :
– لماذا لا تعرفني على حبيبتك يا روحي عساني أحبها وأدعوها لتسكن معنا هنا (مقهقة)
– (مستهزئا وقد تغيرت ملامح وجهه ) لها الشرف في ذلك بكل تأكيد، ولي أيضا لأجمعكما سويا وأحقق حلمي المنشود (ضاحكا وقد احمرت خدوده)
– (غاضبة نوعا ما) إذن خطط وبرمج لنا موعدا في القريب العاجل، فقد اشتقت لملاقاتها وضمها إلي ….
– ……. (صمت مطبق)
فخلصت إلى نتائج شبه مؤكدة لديها مفادها أن بعلها قد تفطن إلى عملية مراقبتها له هي وأخيها من جهة بما أنه لم يعد يتأخر في العودة إلى المنزل حينها، تعمده تلبية رغباتها دون تردد أو سؤال مهما كانت غريبة أو مكلفة عكس عاداته من جهة ثانية ليلهيها وينسيها مراقبته واتباع خطواته،حرصه الشديد على المحافظة على عائلته ووحدتها وتماسكها من جهة ثالثة بما أنه كان كثير الاحتكاك بأبنائه وقتها وتقربه منهم وتوفيرهم ما يحتاجونه دون قيد أو شرط خاصة عند حضور أبناء خالتهم، و تواجد منزل “حبيبته” قريبا من منزله من جهة رابعة – وهو مجرد شك لا يقين – بما أنه لا يمكنه أن لا يراها طيلة تلك المدة وقد أكد حبه الشديد لها باستمرار ،وربما معاشرتها معاشرة الأزواج إنْ توطدت العلاقة بينهما ….
لذلك،بدأت في تصفح ” كتاب علاقاته وزياراته” منذ سنتين وهي تقصي هذه والأخرى وتلك لسبب و لآخر – خاصة العازبات بما أنهن لا يمكنهن ربط علاقات مع عجوز وفقير مثله خانته الصحة والمقدرة على القيام بواجباته على أكمل وجه -، وتلغي فلانة وفلانة وفلتانة لكثرة ورعهن وإيمانهن وخوفهن من الله ومن بعولتهن، تمحو هذه السيدة والسيدة الأخرى وتلك السيدة لتقدمهن في السن ومرضهن….
وفي النهاية، بقيت أختها الكبرى “غزالة” المرأة الوحيدة التي لم يسقطها “غربالها” – وهي من نصحتها و وجهتها عند مراقبة الزوج وتتبعه – ،هذه السيدة الأرملة التي طلقت زوجها للضرر بعد كشفها لخيانته و صفحها لما بدر منه بعد فترة قبل موته وقد ترك لها فيلقا من الأولاد يكابدون الحاجة والفاقة والجوع والعطش وغيرها من المصاعب الجمة التي أحاطت بها وحاصرتها، هذه الأخت المريضة بهشاشة العظام وفقر الدم التي تعيش و أولادها من معونات الناس وهباتهم وعطاياهم…
لذلك،فقد دحضت هذه الإمكانية واستغفرت الله كثيرا ومحت الفكرة من عقلها قبل أن يوسوس لها الشيطان وكذلك نفسها الأمارة بالسوء ويضمانها إلى صفهما ، فتنصب لهما كمينا لتقبض عليهما متلبسين (زوجها وأختها) – كما اعتقدت وجزمت -.
وبالفعل، فقد اقتحمت منزل أختها فجأة وقد فات موعد رجوع الصادق من العمل كالعادة وهي تصيح وتعربد، تسب وتشتم،تلعن وتحوقل، تبث الفوضى والشغب في الحي عامة وفي المنزل خاصة ، وتثير البلبلة بين أفراد الأسرة والجيران وتنال من نفسية أبناء أختها وهم ينصتون إلى كلمات خالتهم ونعتها لأمهم بأبشع النعوت والصفات ما إن لمحت الصادق جالسا في بيت الجلوس بالقرب من غزالة وهو يطعمها بيديه ويضحك في وجهها ويرتب على كتفها من حين لآخر ويكفكف دموعها ويقبلها من جبينها ….
وما هي إلا لحظات حتى تجمع الناس في المنزل مكان الصخب والصياح وكأنه يوم الحشر حتى لم تعد تجد هناك موطئ قدم، كل يدلو بدلوه ويعلق بطريقته ويفتي بفتواه مما شجع الزوجة “رفيقة” على مزيد تصعيد الموقف وتعقيده وطلب الأمن في الحال لإنهاء هذه المهزلة….
ومنها، طلب أعوان الأمن الذين حضروا في الحال من المتطفلين جميعا مغادرة المكان قبل غلق الباب والانطلاق في فك طلاسم هذا اللغز وحله لاكتشاف الخيانة من عدمها ومعاقبة المذنبين في هذا الشأن….
وقد تم الكشف من خلال التحقيقات والأبحاث أن غزالة قد أصيبت بسرطان خبيث انتشر في معظم أرجاء جسدها منذ ثلاث سنوات واستحال عليها عيادة الأطباء واقتناء ما يتطلبه هذا المرض من أدوية وتحاليل وصور وغيرها ، مما جعلها تستسلم وترضخ للأمر الواقع وتطلب من الصادق عدم اخبار أختها بهذا الحدث الجلل خوفا عليها – بما أنها تحبها حبا جما وتخشى عليها حتى من الرياح والشمس والقمر – وعلى عائلتها، كما طلبت منه الوقوف إلى جانبها ومساعدتها على تربية أبنائها وتوفيرهم أبسط الحاجيات الممكنة والتوسط لها لدى السلط ومن يهمه الأمر لرعاية هذه الأسرة من الاندثار والتفرقة ما إن يدركها الفناء وتقطن تحت الأرض يوما ما …
لذلك،فقد كان الصادق يعودها يوميا ويعينها على مصاعب الحياة ويذلل لها المصاعب ويشجعها على تقبل هذا الابتلاء وحمد الله وشكره دون توقف واسترسال تعبده وذكره والدعاء له ، يوفر لها ما يستطيع من المسكنات والأدوية إلى جانب الأكل والشرب لها ولأبنائها – بمساعدة الناس من المتصدقين والمتبرعين من الأثرياء وعامة الناس – بعد رفضها التداوي،يهون عليها العيش ويسهل لها ما صعب واستعصى عليها وعلى أطفالها ….
وقد اتفق مع غزالة في ذات الوقت للنيل من رفيقة وشكوكها وتصرفاها الغريبة بأن دبرا مسألة الحب والعلاقة غير الشرعية له مع حبيبته،فخططا ونفذا بكل دقة وعناية إلى أن انتهى الأمر لما آل إليه حاليا….
ورغم ندم رفيقة وتذللها وتواصل طلب المعذرة والصفح من أختها وزوجها،فإن الأمر استحال ولم يعد كما كان على جميع الأصعدة خاصة بعد وفاة غزالة بعد مدة وتفكك عائلتها حيث رفض الأبناء التعامل مع خالتهم مجددا وقرروا التعويل على أنفسهم ،فنزح من نزح للعمل وبقي من بقى لتتلاعب به الأيام والأقدار و المجرمون وغيرهم، وتنتهي قصة أسرة عذبتها الخيانة ونال منها المرض وقضت عليها القريبة بالشك والريبة والتشهير ووضع الموت عليها نقطة النهاية ليسدل الستار على قصة لم تنته بعد.
Discussion about this post