-إلى الرَّجُلِ الذي عبرَ مُخيِّلَتي بسرعةِ الضَّوءِ، وأودعَني نبضَهُ، ثمَّ أغلقَ دوني دربَهُ، أقولُ:
“عليكَ أن تختبرَ الجنونَ للحظاتٍ، وتوثِّقَ هذيانَكَ كمَلاذٍ أخيرٍ لكلِّ ادِّعاءاتِكَ أنَّكَ بخيرٍ، وأنَّكَ بمنأى عن أيِّ مُفاجأةٍ تكشفُ عورةَ جوعِكَ للحياةِ، وموتَكَ البطيءَ.. عليكَ أن تُطلقَني في سماءِ يقينِكَ حقيقةً، قبلَ أن أغدوَ كذبةً ماطرةً.”
كرنفالُ العَبَثِ
تَرَفٌ أنتَ في العشقِ
وأنا تحتَ سُرَّتِهِ
أهلوسُ بشهوةِ العُبورِ
وأقيسُ الفراغَ بين جسدَينا
ليست صُدفةً أن تندلقَ قهوةُ الوقتِ الرَّديئةُ
على تفاصيلَ رعناءَ
نَما فيها وحشُ الرِّيبةِ
تقولُ أمِّي إنَّ العقلَ زينةٌ
وأنا مُنذُ شهقَتي الأولى خبَّأتُهُ تحتَ سريرِ القلبِ،
ونسجتُ للوَسَنِ الهاربِ مِنَ المُقَلِ عباءةً مِنَ العوسجِ.
لا تُحدِّثني عن مُلوحةِ الكلماتِ حين تخرجُ عن سِياقِ النصِّ،
ولا عن رجالٍ نبتتْ لحاهُمُ البيضاءُ على جَسَدي أشجارًا،
وما زالوا يبلِّلونَ سراويلَهم.
لا تُحدِّثني عمَّن ينشُرُ نصوصَهُ على مشانِقِ السَّماء؛
ليجفَّ عَرَقُها،
ولا عن نساءٍ تورَّطنَ بهذا البللِ وما زلنَ.
حدِّثني عن هَوَسِ ماءِ النَّهرِ بالصُّعود إلى الأعلى،
وعن شَغَفِ السَّماءِ بتغييرِ أزرقِها الغامقِ إلى الأخضرِ.
حدِّثني عن مُخيِّلَةِ عمرٍ ثانٍ
ننتزعُ منها أشواكَنا
وننقعُها بحِبرِ الخيباتِ؛
لنُلفِّقَ للقصيدةِ تُهمةً
ونهدرَ دمَ اللغةِ على أثوابِها
الرِّجالُ الذين تسلَّلوا من ثقوبِ صَدري
كحشْرجةِ الأنفاس،ِ
أراهمُ الآن في مَدِّي وجَزْري
تجاعيدَ عنيدةً صعبةَ المِراس
لكنَّ ذاكرةَ الصَّوت
تبقى فَتِيَّةً،تُخفي مَلامِحَهم تحتَ إِبطِها
وتتجرَّعُها كمُهدِّئات.
الانتظارُ مِعْطَفٌ فَضْفاضٌ،
لكنَّنا نتساقطُ منهُ مُتذمِّرينَ من أنَّ الوقتَ ضَيِّقٌ على أقدامِنا
حينَ يتحوَّلُ المكانُ إلى وِشايةٍ.
لكَ أن تَشِيَ بعُريِ الصَّمتِ
فتأسركَ الحياةُ
ولي أن أُشَهِّرَ بفداحةِ الكلماتِ
فيحرِّرني من سجنِها موتٌ رحيمٌ.
وُلدتُ وأنا أحملُ أجنَّةَ من سُلالةِ الضَّجرِ
أجرُّها بحبلٍ سرِّيٍّ اقتطعتُهُ من رَحِمِ أمِّي،
كلَّما كتبتُ نصًّا أطعمُهُ جنينًا؛ فأتنفَّسُ وأحيا.
بقلم ريتا الحكيم
Discussion about this post