حين بدأت بممارسة الكتابة لم أفكّر يوما باللّقب ..لم يخطر على بالي أن أكتسب صفة كاتبة أو شاعرة ..كنت أسهر اللّيالي وأصحو فجرا من أجل كتابة مقال أو قصيدة ..أتعب ولا أسأل نفسي لماذا أحمّل نفسي ما أحمّلها من المعاناة وما المقابل والى ماذا أطمح أو ماذا أريد ..لم أخطّط يوما لصدار كتاب بل ان هذا الأمر لم يكن يعنيني بتاتا حتّى وانا ألاحظ نظرات الإستهانة التي كثيرا ما رمقتني ممن يعتبرون أنفسهم كتّابا أو شعراء وهم يسمعون ردي بالنفي على سؤال هل لديك اصدارات ..
وحين كان يلقّبني أيّ كان بصفة شاعرة أو كاتبة كنت أحسّ بالكثير من الحرج لأنّ الصّفة أكبر منّي ولم أتخلّص من هذه الحالة الّا حين صدمني الواقع بحقائق كثيرة لم أكن أبدا أتوقّعها ..من هذه الحقائق أن صفة كاتب أو شاعر كثيرون يكتسبونها عبر البروباغوندا والمغالطة ..يعيّنون أنفسهم أو يقع تعيينهم كتابا أو شعراء بل وكبارا أيضا ثم فيما بعد يشخبطون ويلخبطون أيّا من هذياناتهم شعرا أو نثرا والجموع تصفّق وتهلّل ..طبعا فهو كاتب او شاعر كبير ولا يمكن أن يكتب الإ ماهو عميق ولا يفهمه الّا المخيّرون الّذين لديهم قدرة على فهم ما يكتبه عبقري الزمان الكاتب او الشاعر بالتعيين أو التّوصية.
بعد تجربة اعتبرها قصيرة في الساحة الثقافية خرجت بنتيجة صادمة وهي أنّ اي شخص يمكن أن يتحول الى كاتب أو شاعروخاصة شاعر لأن الكتابة النّثرية المسترسلة فضّاحة لحقيقة مستوى صاحب القلم أما الشعر فشأن آخر — في ظرف شهر لا بل في عشرة أيام أو أسبوع فقط يمكن لأي كان ان يصبح بقدرة قادر ذو باع وذراع في عالم الأدب والشعر –كيف ذلك
أجزم طبعا أن النّفس الأمّارة بالسّوء تسوّل للكثيرين أن يتحوّلوا الى شعراء أو أدباء في اعتقاد منهم أنهم سيكونون أسماء لا معة وخالدة ..أسماء يشار لها بالسّبّابة وترفع شارة النّصر اذا حدث ومرّ طيفه الوقور أمام الجماهير وتقع الحسناوات مغشيّا عليهنّ لرؤيته ان حدث وتواضع بالحضور في احدى المناسبات فهو شاعر وبوقاره وهيبة كلماته فقظ قادر على أن يطأ من النّساء أكثر مما يمكن أن يطأه شهيد من داعش .
مهلا ..حدّثني أيّها الغاوي حتّى أعرف ما يمكن أن يناسبك من اختصاصات الشعر وطبقات الشّعراء ..هل أنت مواطن عاديّ ..مواطن متوسّط الحال او فقير كأغلب المواطنين في بلادنا أم أنّك من أصحاب المال والنّفوذ ..أعرف انك ذكي وتفهمني ..أقصد هل لديك ثروة ..هل لديك منصب وجاه …ان كنت كذلك فكلّ التهاني أسوقها اليك ..لن تتعب ولن تشقى ولن تذلّ ايها الكريم ..قل أيّ شيء ولك أن تهذي بما يخطر لك ..يكفينا فخرا أن نسمع صوتك الشّجي ونكحّل أنظارنا بحروفك المقدّسة مكسورة أو مرفوعة أو منصوبة أو منبطحة بل أنت أمير الشّعراء وملكهم وعبقري الكلمات ..سيّد القوافي وربّ كل ّ موزون ومنثور.ماذا ?أنت خائف من ردود فعل القرّاء !—أبدا يا عزيزي لا تخف فنحن شعوب لا تقرأ وان قرأت نادرا ما تفهم
ثمّ ان ّ أمثالك لا يمكن أن يفهم حروفه الّا من كشف لهم عن أستار الشعر والأدب وهي مرحلة غير متاحة الّا للقليلين ممّن رضي عنهم أولي الأمر والاعلام –اطمئن سوف يشخبطون في دفترك ويشهدون بنبوغك المفاجئ ويحتفون بباكورتك التي كتبتها في سبعة أيّام كاملة .قل أيّها السّمفونية الخالدة فكلّنا آذان صاغية وعيون جاحظة انبهارا بعبقريتك ونبوغك الذي تاه عنه كل الأغبياء المتطفّلون على الأدب والشّعر …قل أيها الأمير الدّلوع ..أيها الطّائر الغرّيد ارفع صوتك بكلّ عزة نفس وسوف يقطع لسان كل من تسوّل له نفسه الغبيّة بالتّشكيك في شاعريّتك العميقة الّتي لا يفهمها ولا يتذوّقها الّا المخيّرون الّذين يستحقّون أن تغدق عليهم من خيراتك وما من عليك به الرّحمان من مال وجاه .
يجب أن يكونوا من الشعراء الكبار ذوي الأسماء اللّامعة أو من ذوي السّلط الثقافية الدّامغة ..كن كريما واغدق عليهم ما لذّ وطاب من المصليّ والمشوي…من حلو ومر واملأ جيوبهم بالحنّان الرنّان وسوف يشخبطون في الجرائد والمجلات أنك شاعر سابق لعصره وأوانه مع صورة ساحرة المعنى وانت وانت تتطلّع بعينيك العميقتين نحو المدى –سوف يتجنّدون كي تفرض وجودك على كل الفضاءات والمؤسّسات الثقافية وسوف يستقبلك السيد الوالي والوزير في جلسة مغلقة واخرى مفتوحة ليعبر لك عن اعتزازه بمنجزاتك وخدمتك للثقافة والادب .
بعدها سوف يصبح لك اسم يشقّ عنان السّماء ولك وقتها ان تتمنع حين تتسابق نحوك الجرائد والمجلّات وتتهافت عليك للظّفر بكنوزك الّتي سينشرونها مع صورتك في الصفحات الاولى بلون مختلف ولا تنس وهذا مهمّ جدا ..ان تجهّز حقيبتك للسّفر ..الى مصر ..الى لبنان ..الى المغرب ..الى العراق ..الى سوريا ..الى لندن ..الى فرنسا ..انت اهل لها وتستحق ان تكون شاعرا عالميّا
اما أنت — أيها الكاتب أيها الشاعر الفقير — أتعس الله حظك على تعاسته -لماذا اخترت هذا الطريق يا وجه الجوع والقرف -ألم يكفك كاهلك المثقل بما تنوء الجبال بحمله –أيها التعيس –يا رمز الغمة وانعدام الهمّة —اييييييييييييييييييه يلزمك الكثير كي تحقق أمنيتك ورغبتك فانت مكسور الجناح – لا مال ولا منصب ولا جاه ولذلك فان هناك شروط كثيرة كي تثبت وجودك ويعترف بخربشاتك السّخيفة وأول هذه الشروط أن تكون لديك قدرة على الكظم –لا تغضب __لا تعترض –لا ترفض -يجب أن تكون ليّن النفس – يجب ان تتمتع بصفاقة وطول بال وسعة صدر – وان صفع احد المتنفّذين وجهك قبل اليد التي صفعتك وردد بصوتك الباكي الشجي ضرب الحبيب زي أكل الزبيب –
يجب ان تكون مداحا ماهرا أيضا بل يجب أن تتخصّص في شعر المدح ولذلك عليك أوّلا وقبل كلّ شيء الكشف الطّبي للتّأكّد من سلامة حبالك الصّوتيّة فالمدّاح يجب أن يكون صوته شجيّا جهوريّا وايّاك ايّاك من صفاء السّريرة وسلامة الطّوية فكلمة صادقة واحدة ممّا تتفوّه به هي اثم وجرم والويل والثّبور لك ان نبضت خليّة من خلايا ضميرك بالحياة –سوف يقضى عليك وتغدو نسيا منسيّا ولذلك فان سمعت احدهم ينهق ويشهق شعرا او اعترضتك شخابيطه عليك أن تكون متأهّبا دوما لاطلاق آهة أعجاب من الأعماق ثم تطلق العنان للسانك وقلمك ردحا واحتفاء على صدر صفحات الإعلام .
عليك أن تكون متأهّبا باستمرار لإظهار انبهارك بعظمتهم ونبوغهم – عليك أن تكون مطيعا –ان قالوا لا قل لا وان قالوا نعم فقل نعم -ان قالوا بسم الله ردّد وراءهم ونعم بالله وان خطر لهم أن يتحوّلوا حسب ما تمليه الظروف الى علمانيّين وناقدين للدّين فعليك ان تتسلح بما يكفي مما قاله ماركس ولينين –بعدها قد يتكرّم عليك أحدهم ليعلن انك شاعر وان بالغ في اكرامك سوف يخط بقلمه كلمتين مفادها أنّك شاعر أو كاتب-
-سيدة عشتار بن علي –
Discussion about this post