قصة قصيرة
بقلم كريمة أحمد
ا========
أما ما لم أتذكره البارحة من رؤية المنام..
فسأعدّ منه هذه القصاصات التي أخرجتها للتوّ من الحقيبة:
أعلى الصفحة..
كان اليوم مطيرًا، أستجدي السماوات الملطفة أن تكون داكنة أكثر، أن تُطفئ في داخلي حر وقر الفواجع..
أن تغسل قميص الروح الملطخ بالكوابيس ورائحة الذل العفنة..
أن تُغرق هذا العالم القشري بسيول الطهر حتى تنموَ حشائش المواعيد على طين الطُهر من جديد. وتقوم من مغتسلها أرجاس الظنون..
كثيراً ما ألحُّ على فكرة الرحيل !، فكرةٌ تضمحلّ ثم ما تلبثُ أن تعود مجدداً وبصورةٍ أقوى وأكثر إلحاحاً..
الرحيل من كل شيء، من المكان والزمان وشخوص الذاكرة التي استوطنت أشيائي القديمة.
كم من مرةٍ لملمت فيها أوراقي، القصاصات، الصور
وقصصا لا تحتملها أسطر الكتابة.
آه… تذكرت بالمنامة.. قد تعثرت في أحدى محاولاتي للرحيل في قصاصةٍ
سمعت نحيب روحي وهي تئن عبر فراغات الأزمنة
لم أتعرف فيها على ذاتي حينها!
هالني ذلك الكم الهائل من البؤس الذي أحاط بي حينها!
قرأتُ نفسي وأنا كالغريب عنها
قالت لي روحي في تلك اللحظة الفارقة عند ناصية الخيبة
– ها نحن كالغرباء نُمارس طقوس الخطو إلى الوراء
خطو وثّابٌ يقفز على الحاضر ويحتضن ذاكرة السلام
هناك حيث المبتدأ والمنتهى، نكتب الأيام بلا معرفة ونعُدُّ أنفاس العمر على وقع التوق
ثمّ نعبرُ الحدود وننسج غيوم الرجوع
هناك شيءٌ مضمر يخاتلني الآن.. ذات سحر كانت تهمس لي
- لكم تسحرُني نداءات الصلوات ووحي الأماكن
تُطهرني عذوبة الأمطار تؤنسني بهجة الصبايا ودهشة الأطفال..
ثمّةَ كنتُ أتمثل الطرقات..
خطوةً
خطوة
تلتفُ حول عنقي أطياف الطيبين، وتتوطن روحي أزقة الحنين..
كلما عزفت على وتر وجعي آهات المُغنين، بكل تلك الزينة اللامعة في ضوضاء المدينة
أراقبها تنتفخ وتُغازلُني أنساً منفلتاً من ضمادة اللحظة
كأنها تريد أن تنشر شظايا الهموم في مهب الريح
وتوقظُ الصباح في عيون الغفوة..
أتذكرها تلك الفراغات الهائلةُ في ثنايا الروح حين بلغت حنجرتي صرخت بكل ما فينا
ها نحن ذينك..
غريبان عن كل لون ، كبذار الموسم الحرون
تلقفته رياح الخريف.. نثرته بعيداً عن انتماء الطين…
لم أحفل وأنا بالحلم، لمّا توقفتُ مشدوهاً يشدني ذلك الماضي الذي احتضنته قُصاصةٌ من ورق، أوشك أن أقف كالابله أمام أناي بالأمس.. لم يتغير شيء سوى أنني أصبحتُ أكثر بؤساً
وجراحي التي عبرتها السنوات أضحت غائرة ومشوهةً أكثر .
كأنني أقبض على كمشة الضوء بقبو الحلم، تمسّكتُ بالقصاصة..بيدي ارتعاشة تتصفح تواريخ الانطفاء في حياتي..
ياااااه كم هي متلاحقةٌ تلك التواريخ..
يا تُرى كم يلزمني من عمرٍ لأحصيها عداً!؟
وإن أحصيتُها عدداً
فمن أين آتي بأمكنةٍ تتسع لحقائب الخذلان تلك!؟.
امتلأت الحقيبة.. بقيت الجيوب..
رجعت للوراء.. أجمع ما انتثر من فجائع:
منذ متى وقد غادرني ذلك الشغف
وأي كأسٍ مشؤومةٍ تجرعت فيها مرارة غربةٍ أثقلت روحي الواهنة!؟
أين تكمن لحظة الفجيعة التي فقدتُ معها لذة اللهفة العذراء
وبراءة الفرح الوليد!؟
الصفحة قبل الأخيرة..
بات يتقمّصُني ليلٌ موحش أحمل فيه القلق والتوجس كمضغة ٍ محرمةٍ جاءت من سفاح.
حسناً لن أُجرد عزلتي من بعض اللحظات كانت بمثابة هُدنة مؤقتة واستراحة محارب مهزوم
لن أنكر أنني كنت أسطو على خيالي لأسرق حفنةً من نور !!
في أدنى صفحة..
تتراءى لي في ضيائه امرأةٌ شاعرةٌ ترفل في ثوب الغسق
تتماهى في الهديل
تُتتقن أبجدية الغياب اللذيذ
تغمُسُ روحي في أحلامها
تربتُ على كتفي
و تنشدُ زُرْقة الانطفاء تطير بي
في الملكوت السابحُ
وتنسج بأصابع الوله المتوج بالطُهر
قصيدةٌ حُبلى بشغف الروح.
كم كانت شهيةً لحظةُ التلاشي تلك
حينها فقط علمت أن للموت لذة اشتهاءٌ لحظي تتضاءل أمامها غريزة الحياة والبقاء .
لما أفقتُ..
لم تكن الحقيبة بيدي .. حملها الحلم إلى عالم التأويل..
كريمة أحمد صالح
Discussion about this post