عبر العصور، استقرت الأم كعنوان للعطاء اللامتناهي، نبع الحنان الذي لا يجف، ومصباح يضيء دروب الحياة المعتمة. في جوهر الأسرة تتربع، وفي نسيج المجتمع تنسج خيوط الأمل، تسقي الروح عذوبة الكلمة ودفء اللمسة. تعلم، تربي، تضحي، كل ذلك من دون مقابل، محفزة بذور الفضيلة والقيم حتى تصبح أشجارًا باسقة في حدائق الوجود.
ما أروعها من مكانة تشغلها الأم في قلب الأسرة والمجتمع! تلك اليد الحانية التي تمسح الدموع، والكلمة العذبة التي تلملم جراح القلوب. هي الملاذ في زمن الشدائد، والسند عند اللزوم. لا تُحصى قصص العظماء الذين كانت وراء نجاحهم أمهات صامدات، صبرن وعلمن وسهرن من أجل مستقبل أبنائهن.
وفي مواجهة التحديات العصرية، التي تختبر قوة الروابط الأسرية وأصالة القيم، تبرز أهمية التأمل في معاني الوفاء والعرفان. كيف نعبر عن جميل من ضحت بالغالي والنفيس من أجلنا؟
إن اللجوء إلى دور العجزة كحل لرعاية الأمهات، قد يراه البعض ضرورة تفرضها ظروف الحياة العصرية، لكن هذا الخيار يتعارض مع جوهر البر والإحسان الذي نادى به ديننا الحنيف، وأكدت عليه تعاليمه، مشيرًا إلى مكانة الأم الرفيعة بقوله صلى الله عليه وسلم: “الجنة تحت أقدام الأمهات”. فكيف نقبل بأن يحل مكان الحضن الدافئ، الوحدة والغربة داخل جدران دور العجزة؟
دعونا نجعل من بيوتنا ملاذًا للوفاء والتقدير، نرحب فيه بأمهاتنا كما رحبنا بأول نفس حياة منحن لنا. هي فرصتنا لنعبر عن امتناننا وحبنا بكل قوة، مقابل عمر بأكمله من العطاء.
ختامًا، فلتكن كل لحظة مع أمهاتنا ترجمة حقيقية للوفاء. لا تكفي الكلمات لوحدها للتعبير عن قيمة الأم في حياتنا، لكن يمكن لأفعالنا أن تعكس امتناننا وحبنا. فلنسعى سويًا نحو مجتمع يعلي من شأن الأم، محتفيًا بعطائها بكل الحب والتقدير.
بهذه الروح، يظل “وشاح الوفاء” رمزًا للعلاقة الخالدة بين الأمهات وأبنائهن، بغض النظر عن تحديات الزمان ومشاغل الحياة.
Discussion about this post