(11)
كانَ لا بُدّ
أن تُطفِئي النورَ يا جيلان
فَأنَا الذِّئبُ الذي لا يُصَلِّي
ولا يَعرِفُ المَجازَ ولا البَلاغَةَ
عاريًا أنامُ
إلا مِن صَيْفٍ واحِدٍ
وفؤادٍ يَتِيم
يَنَامُ الأَنْبِيَاءُ
في حُقولِ البَلاغَةِ
يَرْفَعونَ أَيْدِيَهُم للسَّمَاءِ
فَيَسْقُطُ المَجَازُ في حُجُورِهِم
وَأَنَا مُوَاطِنٌ فَقِيرٌ
لا أُحِبُّ البَلاغَةَ
وَلا يَأْلَفُنِي المَجَاز
اصْطَحَبَ أَبِي مُنْذُ سِنِين بَعيدةٍ
شِتَاءَنا ثُمَّ مَات
وَتَرَكَنِي وَأُمِّي …
تَصْنَعُ الطَّعَامَ
وَأَبِيعُهُ في الشَّوَارعِ
وَبَعْدَ عَذَابَاتٍ
وَجِرَاحٍ وَهَزَائِمَ
قَرَّرْتُ أَنْ أَكُونَ شَاعِرًا
لَكِنَّ الشِّعْرَ كَانَ يَخْلَعُ مَلابِسَهُ
لِلْمَارّةِ والعَابِرين،
لَمْ يَكُنْ مَعِي وَقْتَهَا
غَيْرُ صَيْفٍ وَاحِدٍ
وَفُؤَادٍ يَتِيم
فَاخْتَرْتُ أَنْ أَكونَ مُثَقّفًا
عَلَى كَتِفِي حَقِيبَةٌ مِنْ هُمومٍ
أُحِبَّكِ الآنَ بِصَيْفٍ وَاحِدٍ
لَنْ يَفِي بِالعِنَاق
وَفُؤَادٍ يَتِيمٍ كَثيرِ البُكَاء
أُحِبُّكِ لَكِنَّنِي مَشْغولٌ
بِقَضِيَّةٍ أَكْبَرَ مِنَ المَجَازِ وَالبَلاغَةِ
أَنَا أُفَكِّرُ كثيرًا
في مُعْطَيَاتِ الوَاقِعِ
وَأَتَأمَّلُ في خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ
وَلا تُعْجِبُني أَحْوَالُ البِلادِ
قَوْمِي يَظُنُّونَنِي مَجْنونًا
وَأَصْدِقَائِي يُعْرِضونَ عَنِّي
لأنِّي بِصَيْفٍ وَاحِدٍ
وَفُؤَادٍ يَتِيم
كُنْتُ كُلَّما كَتَبْتُ قَصِيدةً
اضطرّرتُ إلى تَفْسِيرِهَا
كَيْ يَفهمَ البَقرُ
أنَّ كَلامِي عَلَى وَجْهِ الحَقِيقَةِ
وكُلَّمَا قَرَأتُ كِتَابًا
فرت الابتِسَامَاتُ مِنِّي
لأَنَّ المُؤَلِّفَ لا يَظْهَرُ عَاريًا
وَكُلَّمَا دَعَوْتُ امْرَأةً للفِرَاشِ
بَكَتْ
وَقَالَتْ: أَنَا – واللهِ – امْرَأةٌ صَالِحَةٌ
لَكِنَّهَا ظروفُ الحَيَاةِ،
وكُلَّما ذَهَبْتُ إلَى فُنْدُقٍ
طَارَدَتْنِي الكَوَابِيسُ
وَشَكَى النُّزَلَاءُ مِنْ أَنَّ فُؤَادِي
يَقومُ في الليْلِ يَبْكِي.
منذُ أيامٍ وَأَنَا أَتَأمَّلُ كَالْعَادَةِ
اكْتَشَفْتُ بِعَمَلِيةٍ حِسَابيةٍ بَسِيطَةٍ
أَنَّنِي تَزَوَّجْتُ تِسْعَ نِسَاءٍ
مِنْهُنَّ وَاحِدَةٌ
تَرَكَتْ لِي مِرْآتَهَا المَصْقولَةَ
وَمِلاءَتَهَا البَيْضَاءَ ..
وَلَمْ تَلْتَفِتْ لِصَيْفِي الوَاحِدِ
وَلا لِفُؤَادِي اليَتِيم.
وَامْرَأةٌ مُسِنَّةٌ عَرَضَتْ عَلَيَّ
مُنْذُ أَسَابِيعَ قَلِيلَةٍ
أَنْ أَنْكِحَهَا
قَالَتْ وَهِيَ تَغمِزُ لِي بِعَينِهَا
أَنَا التَّارِيخُ يَا حَبِيبِي
وَأَنْتَ بِحَاجَةٍ
لأَنْ تَتَفَرَّغَ لِثَوْرَةٍ جَدِيدَةٍ
– عَنْ أَيِّ ثورةٍ تَتَحَدَّثينَ يَا امْرَأَة؟ –
كُلَّمَا مَشَيْتُ
سَمِعْتُ بِأُذُنَيَّ هَاتَيْنِ
أَصْوَاتًا غَرِيبَةً
تُنَادِي أَنِ اصْعَدْ إلَى جَبَلِ المُقَطَّمِ،
أَيْنَ أَنَا وَجَبَلُ المُقَطَّمِ؟!!
وَهُنَاكَ أَيْضًا رِجَالٌ
بِيضُ الوجُوهِ
وَبِيضٌ فِي مَلابِسِهِم
يَزورُونَنِي زِيَارَاتٍ مُتَقَطِّعَةً
كُلَّمَا غَلَبَنِي النُّعَاسُ
وَأَنَا أُشَاهِدُ
بَرْنَامج “الكُرَة مَعَ شوبير”
وَلأنَّنِي مُثَقَّفٌ
قَرَأتُ في الكُتُبِ أَنَّ جَدِّي
كَانَ مُؤْمِنًا بِالَّذِي في السَّمَاء
لَكِنَّ أَبِي
كَانَ يَعْبُدُ الأصْنَامَ سِرًا
وَأَنَّ أَخًا يَكْبُرُني صَعَدَ
في ظروفٍ غَامِضَةٍ
وَتَفَاصِيلَ مُبْهَمَةٍ
عند رَبِّهِ وَنَام،
لَكِنَّ كَثيِرًا مِنْ أَقَارِبي
يُنْكِرونَ ذَلِك،
وَقَرَأْتُ أَنَّ ابْنَ عَمٍّ لي
كَانَ سَاحِرًا
يواجِهُ الطُّغَاةَ وَالمُتَجَبِّرين
وَيُرْهِبُهُم بِالثَّعَابِين وَالْحَيَّات
أَنَا فِي أَزْمَةٍ صَدِّقِينِي
مُنْذُ عَامٍ خَلَعْتُ مَلَابِسِي
كَيْ أُعَانِقَ الْبَحْرَ
فَاسْتَوْقَفَتْنِي عَرَّافَةٌ
وَمَدَّتْ يَدَهَا نَحْوَ ظَهْري
وَقَالَتْ هَذِهِ شَامَةٌ مُقَدَّسَةُ ..
وقَبَّلَتْها
لا تَذْهَبي يَا جيلانُ بَعِيدًا ..
أَعْرِفُ مَا تُفَكِّرينَ فِيهِ ..
أَنَا شَخْصِيًا
لا أَتَوَقَّعُ أَنْ يَتِمَّ اخْتِيَارِي
لِمَهَمّةٍ شَاقّةٍ وَثَقِيلَةٍ
كَهَذِه التي تَدورُ بِخَلَدِك،
لَيْسَ لِأَنَّنِي غَيْرُ مُؤَهَّلٍ لَهَا ..
لَكِنْ لِأَنَّ اللهَ بَلِيغٌ جِدًا
وأَنَا أنامُ عاريًا
إلا مِن صَيْفٍ وَاحِدٍ …
وَفُؤَادٍ يَتِيم!
———
بقلم أشرف البولاقي … مصر
Discussion about this post