أخبرتني مرة ” نانا” و لا تسألوني عن هويتها أو عن علاقة القرابة التى قد تربطني بها ، لأني لن اخبركم عن ذلك مطلقا.
المهم أنها أخبرتي ذات صائفة حارة ، و في لحظة صفاء جمعتني بها ، في مكان ما من هذا الكون الفسيح، مكان لن أدلكم عليه ، و لن أخبركم أين يقع ، لأن هناك أماكن نذهب إليها بالقلب ، قبل أقدامنا ، فتتحول الى جزء من حياتنا، قد لا نعود لزيارتها أو قد نزورها لماما، لكنها أمكان تستوطن الذاكرة نهائيا. المهم أنها قالت لي في ذلك المساء ، بين رشفات الشاي و حبات اللوز المقرمشة.
” أظن أني بلغت تلك السن التي لم أعد أخاف فيها من شئ، و لم أعد أحزن مطلقا على خسارة أحد ، صرت أتقبل أشياء الحياة كلها دون اعتراض أو شكوى ، أو أدني احساس بالألم ،”
ثم لوحت لي بيدها، كمن يطرد سربا من الذباذ، و فردت رجلها المتعبة أمامهما و بدأت تمسد عليها بيدها ، فبدى لي جرحها عميقا و لا يزال طازجا. نظرت في وجهها و لم اقتنص أي آثر للألم أو الوجع ، أو القلق ، بل كانت تبتسم و هي تتابع ببصرها شئ، أظنها لم تكن تراه إلا هي وحدها .
إلى حد الآن يبدو الكلام عادي جداً ، و ستفكرون أن “نانا” هي إمرأة مسنة ، عركتها و عجنتها الحياة ، و أنها لا تنطق عن الهوى، و أن كلامها ينطوي على الكثير من الحكمة. حكمة السنين.
أما أنا فمن يومها كنت كلما نظرت في المرآة ، رأيتها واقفة خلف ظهري مستندة على عكازها، تبتسم و بصرها يتابع شيئا لا مرئيا ، و كلما حاولت الالتفاف للخلف لأحدثها أو ألمسها، تحول جسدي إلى تمثال جامد، لا أقوى على تحريك أي جزء منه. و ما أن تختفي ” نانا” من خلفي، حتى تدب الحركة من جديد في أوصالي و سائر جسدي . و بعدها كان ينجلي كل خوف و حزن من قلبي . لقد اكتشفت مؤخراً أني كنت كل يوم أشبهها قليلا دون أن أشعر.
بقلم ريم القمري
Discussion about this post