كتب/خطاب معوض خطاب
فيلم “عنتر ولبلب” يعد واحدا من أشهر الأفلام الكوميدية الخفيفة التي يحبها الكبار والصغار، حيث يتميز بالمواقف الكوميدية المكثفة والحوارات الشيقة السريعة وكذلك ببساطة أبطاله، والفيلم تم إنتاجه قبل ثورة 23 يوليو 1952 وحمل في البداية اسم “شمشون ولبلب”، وقام ببطولته محمود شكوكو وسراج منير وعبد الوارث وحورية حسن وعبد الفتاح القصري وسعاد أحمد وببا إبراهيم ولطفي الحكيم وكتب الحوار المبدع الكبير بديع خيري وأخرجه وكتب له السيناريو المخرج سيف الدين شوكت بالاشتراك مع ريمون قربه، وتدور أحداثه حول الصراع بين لبلب ابن البلد الذي ينوي الزواج من محبوبته لوزة بنت المعلم رضوان من جانب وعنتر صاحب الكازينو والوافد الجديد على الحارة الذي يريد أن يخطف لوزة حبيبة لبلب ويتزوجها من جانب آخر، ويحدث أن يتحدى لبلب الضعيف عنتر القوي ويتوعده بضربه 7 أقلام بمعدل كل يوم قلم ويتم عقد رهان بينهما، ولو تمكن لبلب من ضرب عنتر 7 أقلام يتنازل عنتر له عن الكازينو الخاص به ويرحل عن الحارة كلها.
وهكذا دارت أحداث الفيلم ولكن قيل إنه كان يحمل معانٍ سياسية عميقة، حيث تم تفسير أحداثه على أنه يتعرض للإحتلال البريطاني لمصر، وأن لبلب كان يرمز للشعب المصري بينما يرمز عنتر للإحتلال البريطاني ولوزة هي مصر والمعلم رضوان يمثل الأحزاب التي كانت متواطئة مع الإحتلال وقتها، ووجد هذا التفسير من يؤيده ويتبنى فكرته خاصة وأن المحلات الموجودة في الحارة في الفيلم كانت تحمل أسماء وطنية مثل “عصير الجلاء” و”جزارة القنال” و”عجلاتي الوحدة” و”بقالة السلام”، وكذلك حينما أراد عنتر التفاوض مع لبلب رد عليه قائلا: “لا مفاوضات إلا بعد العزال” أي الجلاء، بل إن هناك من فسر أحداث الفيلم تفسيرا أوسع وأشمل وأعم من ذلك، فقد قيل إنه كان يشير إلى الصراع العربي الصهيوني حيث كان عنتر يرمز للصهيونية ولبلب للشعوب العربية ولوزة هي فلسطين والمعلم رضوان يمثل الأنظمة العربية المتواطئة.
والعجيب أن هذا الفيلم تم رفعه من دور العرض بعد أيام من عرضه دون ذكر أسباب، كما تم منع فيلم “مصطفى كامل” إخراج أحمد بدرخان، وفيلم “الكيلو 99” إخراج إبراهيم حلمي من العرض، وتم تفسير الأمر وقتها بأن الظروف لا تسمح بعرض أفلام وطنية تثير المواطنين بعد حادث حريق القاهرة، وبعد يوليو 1952 تم عرض الفيلم مرة أخرى وتمت دبلجة الفيلم وحذف اسم “شمشون” بعد اعتراض حاييم ناحوم حاخام اليهود المصريين، لأنه رأى أن الشرير في الفيلم اسمه شمشون وشمشون يعد بطلا قوميا ورمزا بالنسبة لليهود، وتمت الإستجابة لطلبه بالفعل، ولكن تمت الدبلجة بطريقة سيئة للغاية ولعل الجميع يلاحظ أن كلمة عنتر تنطق بطريقة واحدة وبنفس الصوت على لسان جميع أبطال الفيلم، والغريب أن تتم الإستجابة وبسرعة وتغيير اسم الرجل الشرير بحجة كونه رمزا لليهود، ولكن الأغرب كان استبداله باسم عنتر الذي يعد رمزا للقوة والشجاعة والبطولة عند العرب.
وفي الفيلم يلجأ عنتر إلى العديد من الحيل لكي ينجو من الضرب بالقلم على يد لبلب، فمرة يحاول دخول حجز قسم الشرطة، ومرة يستدرج لبلب إلى الصحراء، ومرة ثالثة يؤجر بلطجية لتحجز لبلب وتمنعن من ضربه، ورغم استغلال كل هذه الحيل غير الشريفة وقت الحرب والصراع بينهما، إلا أن عنتر كان يعترف في كل مرة أن لبلب كان يضربه، خاصة في القلم الرابع والخامس، فلم يكذب أو يحاول الإنكار، بل إن عنتر الشرير في الفيلم أوفى بوعده في النهاية أمام الجميع ليحافظ على كلمة الشرف التي كان قد قطعها على نفسه، وأعطى الكازينو للبلب وترك له خطيبته، مع أن أمواله وقوته كانت تمكنه من التهرب وحنث الوعد، ولكنه لم يفعل، وهكذا كانت بعض أفلام السينما قديما ليست مجرد فرجة وتسلية ومتعة، بل كانت تحمل مع الفرجة والمتعة والتسلية دعوة إلى الحفاظ على القيم والأخلاق والمبادئ.
المصادر:
مقال أحمد خالد توفيق في التحرير 22 يونيو 2015.
مقال حنان شومان في اليوم السابع 21 مارس 2014.
مقال محمد شمس في ساسة بوست.
جريدة الأيام البحرينية العدد 9921.
جريدة الوفد 12 أكتوبر 2014.
*إعادة_نشر
نشر هذا المقال لأول مرة في يوم 5 أبريل سنة 2017.
Discussion about this post