ونادلةٌ، بهدوءٍ، وأعماقَ قهوَةِ سُعدى… تُصوّرُ قلبا على مَهَلِ
يُراقص رائحةَ البن فنجانُها ويدورُ رَقيق الذوائب في وجَلِ
وتأخذُني رعدة حين ترشف منه وَيَنْأَى كلامي بعيدا عن الغَزَلِ
فتنسى بأطرافِ فنجانها أحمرَ الشفتين وأنسى قميصي بلا قُبَلِ..!
——————————————
في قصيدي(رقصة الفنجان) قلت:
على إيقاع غليان الماء
تمايل الفنجان ورقص
وغزت رائحة القهوة
عينيك الناعستين
أزحت النوم في تكاسل ودلال
كم كنت طفلا حبيبي…
من مشهد مألوف لا يشدّ انتباه العامة
سرح خيال الشاعر بعيدا وولّد صورة واضحة حيث التقط الفكرة والمشاعر وأعاد خلقها من جديد والشاعر المبدع هو الذي يترك خياله يتمدد ويرخي له العنان ليبدع
—نادلة تعد قهوة حسب الطلب
وتضع بصمتها على رغوة الفنجان وذلك برسم قلب ،هي تعلم أن فنجان القهوة
سيكون لسعدى التي تجالس حبيبها
في ركن منزوٍ في المقهى ،كما تعلم ان من يختار هذا المكان الهادئء مجلسا لا يكون إلّا عاشقا حدّ النخاع جالسا أمام حبيبته ينشد السكينة والصفاء ،هي تعلم أن رحلة العينين بين الفنجان والشفتين شاقة وأن عناق الشفتين للفنجان مثير ومستفز
(والنادلة) ذكرت هنا عرضا لتفتح شهية الشاعر للحديث عن (سعدى) رغم أن الشاعر في رباعياته الخالدة اسمه مقرون بـ(حلا)
وقد تتعدد الأسماء ولكن الحبيبة واحدة
وإذا تعددت الاسماء عند شاعـر فاعلم أنه تمويـه اختياري وعن وعي تامّ وأن الاسم الحقيقي لم يذكر ولن يذكر أبدًا والسبب أن من طقوس الخُـلصاء من الشعراء تقديس الحبيبة وقداسة اسمها من الأبجديات ومن قواعد العشق الأربعين
وخير دليل شاعر إرادة الحياة(أبو القاسم الشابي) حيث قال عن حبيبته
-يا ابنة النّور، إنني أنا وحدي
من رأى فيكِ روعة المعبود�فدعيني أعيشُ في ظلك العذب
وفي قُرب حُسنك المشهود—
وهذا قد يعود إلى انه يراها كائنا نورانيا
وهذا ارتقاء بها عن معنى عنصر الخلق وهو التراب فهنا مفارقة شعرية وجودية…
هذا و شعراء كثر أجهروا بأسماء حبيباتهم بل واقترنت أسماؤهم بأسمائهن
والامثلة عديدة(قيس ليلى-جميل بثينة-ابن زيدون ولادة- نزار بلقيس…)
والقائمة تطول
علما أن شعراء الفصحى التونسين قديما وحديثا على حد علمي لا أحد صرح باسم حبيبته في شعره
أعود قليلا لهذه الصورة الشعرية التي
نراها واضحة
حبيب يتابع حركات حبيبته وهي تحتسي القهوة على مهل والشفتان تقبلان ذوائب الفنجان بكل غنج ودلال ووجل
عينا الشاعر كما قلبه يتبع عملة رفع الفنجان وانزاله في شغف ووله كبيرين لدرجة أن التعبير يقف على شفتيه ويعجز عن جمع شتات نفسه ويحسد الفنجان الذي حظي باللثم
وفي لحظة فارقة وحساسة يقتفي الشاعر آثار أحمر الشفاه
وللحظة ايضا ينتاب المتلقي شعور بأن المشهد تجمّد والعينان تلعقان بقايا أحمر الشفاه من ذوائب الفنجان
وهكذا يأخذنا فنجان سعدى
الى صورة شعرية مركبة فيها جمع الشاعر ما رأته العين وما شعر به القلب
معتمدا على اللغة والعاطفة والخيال
والصورة الشعرية واحدة من المعايير التي
تظهر أصالة التجربة الشعرية وقدرة الشاعر على التأثير على المتلقي
دامت فنية ما تكتب دكتور حمد الشاعر
ملاحظة وعدت بإرفاق قصيدتي كاملة مع قراءتي لهذه الرباعية
وها أنا أوفي بالوعد
قصيدتي (رقصة الفنجان)
_____رقصة الفنجان____
على إيقاع غليان الماء
تمايل الفنجان ورقص
وغزت رائحة القهوة
عينيك الناعستين
أزحت النوم في تكاسل ودلال
كم كنت طفلا حبيبي
وانت تبتسم لصباحك هذا
صباحك هذا لا يشبه ماضي الصباحات
حبيبي
زار الصباح فكيف حال الدجى؟
اشربْ على وجه الصباح قهوتي
فالعمر شيء بارد اذا ما سخنته
إشراقة قبلة على الجبين
صبح عينيك فتح مبين
لقدس العاشقين
صبحك مدينة فاضلة
استعصت على الفاتحين
صبحك وهب صوتا للصيف
وأعطى الشتاء صمت الدفا
صبحك أنسـانـي طول الليالي
وجمر الوعود
وعلّمني أننا معا سر ّهذا الوجود
صبحك دفاتر بوح وأقلام شوق وعهود
شكرا لعينين أشعلتـا
بين الضلوع كل الحرائق
وفي قلبي فتحتا مصلى ركوع وسجود
على ارجوحة الحب التقينا
ونسجنا الظلام نسغ كلام
وترجل النهار للقياك يا عالي المقام
سيد أمري هذا صباح جديد ظهر
فلاقنـي لقاءً يرتق هباءات القدر
كنت جريئا يوم
ألغيت بيننا كل امواج البشر
كنت جريئا لحظة زرعت
دربنا غلائل من ياسمين القمر…..
فائزه بنمسعود
24/10/2022
Discussion about this post