أواخر كانون الثاني 1985 بغداد تحت المطر، لا تشبه نفسها وهي تحترق تحت الشمس، المطر يُطري قلوب الناس، يجعلهم بشراً، يمنحهم عذراً للبكاء .
تسرع عايدة الخُطا نحو مقر المجلة، لا تسرع بل إنها تطير!
وهي تصعد السلالم إلى المكتب كانت مشغولة بإقناع نفسها بأن عجالتها تلك كانت لأنّها تأخرت دقائق عن موعد الدوام، وليس لأنّها ترغب في أن تدخل قبل الجميع، وتخطف دقيقتين أو ثلاثاً معه قبل أن يكتظّ مكتبه بأسرة التحرير استعداداً للاجتماع الصباحي، كانت كأنها امرأة أخرى، تراقب نفسها وهي تقفز على السلالم، وكان وجهها مُتبسّماً استعداداً للقياه .
– صباح الخير!
فتحت باب غرفته بحماسة يسبقها عطرها ولهفتها، لم يكن على مكتبه، كان يتصدر طاولة الاجتماعات المستطيلة في ركن المكتب، والجميع جلوس إلّا من كرسيها واثنين آخرين، رفع رأسه الذي كان يدفنه في ورقة يقرؤها، تفحصها من خلف نظارة أزاحها .
– تأخرتِ!
عيناه هنا، لم تكن غاضبة، كانت ملهوفة ليس أكثر، شعرت بقلقه أن تتأخر أو ربما تغيب ليوم كامل طويل .
– آسفة…
احتلت مكانها بجانبه، قلبها يخفق بسرعة، حتى إنها خافت أن يسمعه الآخرون، استرقت نظرة سريعة إلى وجهه، الآن هي على يقين بأن ملامحه، أكثر هدوءاً وسكينة، لكنه لا يزال غامضاً، لا تدري بماذا يشعر أو يفكر، لا تستطيع أن تخمن موقعها في قلبه رغم يقينها بأنها هناك في مكان ما، هو لم ينطق سوى كلمات عامة بطريقة توحي لها بأنها تهمه، لكنها رغم الصمت متأكدة .
السعادة هي عيناه، عالم لا ينتهي من اللهفة والشوق والحب والخصام واللوم والعتاب، لا حاجة إلّا لحديث النظرات، لكنها كأي امرأة، تحترق شوقاً لكلمة، كلمة منه تفتح أبواب الدنيا، ينزل الَبرَد رقيقاً على روحها العطشى، يروي صحراءها المقفرة، يهديها رسالة من الله، يطمئنها أنها لا تزال أنثى، وأن عباس، الشامخ الرائع هو الذي يخطو نحوها وليس غيره .
كانت سعيدة، سعيدة فقط، من دون (لكن) ولا تساؤلات أو عقبات أو لوم أو منطق أو عقل ينتزعها من أحلامها ويعود بها إلى الأرض .
تجلس بجانبه، تختلس نظرة إلى شفتيه، إلى نفَس السيجارة الذي يسحبه بحرقة، كأنه ينتزع روحاً من روح، إلى نظرته الواثقة وحديثه الهادئ الذي يدير رؤوس الحضور من دون تكلف ولاجهد، تنسى الاجتماع، لم تعد تستمع لما يقول، لو أنها فقط تقترب أكثر، منه، تدنو بمقعدها، تحتضن ذراعه، تريح رأسها، لتهدأ، تهدأ فقط، تغمض عينيها، لا ترى أحداً غيره، لا تسمع إلّا صوته، أو قد تقفز تختبئ في جيب معطفه، تخرج رأسها، تسترق النظر، وتبتسم، الله ما أجمل الحلم!!
بقلم الشاعرة سارة الصراف
Discussion about this post