اسمي نور
مللتُ منّي
و كذا أنتم؛
ربّما لأنّني أكتب كثيرًا عن الاكتئاب
و الناس بشكل عام تكره المكتئبين و تُنبِذهم
هذا يحدث دون إدراكٍ تام منهم
هذا يحدث تلقائيًا
المكتئبون يُفضّلون الوحدة
لأنّ لا أحدًا يُحبّهم
لأنّهم كثيرًا ما يشعرون أنّهم يُشكّلون عبئًا على مَن حولهم
أو أنّ مَن حولهم عبئًا عليهم !
لا داعِ لفهم هذا الأمر المعقّد أبدًا
عزائي الوحيد هو أنّ المكتئبون مبدعون ..
و لي في ” ڤان جوغ ” أُسوة حسنة
أُحبّه كثيرًا و كذا أعماله ..
و كثيرين غيره من المكتئبين قادرين على دهشتي ..
دعونا .. دعونا ..
المهمّ أنّ المكتئب يُصاحِب الأشياء دائمًا
و يُحوّل منها أعمالًا فنيةّ مميّزة
تظلّ هذه الأشياء تُكرّمه بعد مماته؛
باحتفاء الناس بها
كالقصائد و اللوحات و المنحوتات
يظلّ في مخيّلة الناس دائمًا
الناس الّذي عاش طيلة حياته بعيدًا عنهم
– أقصد المكتئب –
يا للغرابة
و يا للدهشة ! ..
هي حياة عجيبة حقًّا .. عجيبة جدًا
هو أيضًا يُحبّ الأشياء و يُهدي لها كثيرًا من المزايا
مثلما أحبّته
فكلّ حبّ مشروط في حقيقته
حتّى بين الإنسان و الجمادات ..
ليست جمادات إذًا فهو يهبها الروح
كي يُحدّثها
يجعل من الحجر إنسانًا
و من البياضِ ألوانًا
و من الفراغ كلامًا صامتًا بكتابته
و يُهدي لها أيضًا قيمة من لا قيمة
يجعل من ورقٍ بائس كتابًا عظيمًا
يظلّ مرجعًا مثلًا
أو يُستَعمَل لتطييب خواطر الآخرين فيما بعد ..
بينه و بين الأشياء علاقات وطيدة
صعب أن تُحكى و كذا تُفهَم
شرحي ناتج عن فهمي فقط
فهمي الناتج عن شرخٍ كبير جدًا ..
يبدو أنّه في روحي ..
جعل منّي مكتئبة
هكذا و بكلّ بساطة أُصاحِب هذه الكلمة و أُحبّها ..
المكتئب يقيم علاقات حبّ كثيرة مع الأشياء
و يُنطّقها ..
مع أنّه زاهذًا تمامًا
على الأقلّ
زاهد المناصب
الّذي يسعى إليها البشر بكلّ ما أوتيوا من وحشيّة ..
المكتئب حقيقي للغاية ..
جميل الاكتئاب و صديق ..
أخذني الكلام
حتّى أنّني نسيت أنّكم مللتم منّي بسبب هذه الكلمة
سامحوني لديّ ذاكرة ضعيفة
لا تحتفظ إلّا بأحضان أُمّي لي
و أيضًا نهرِها الدائم
أتذكّره ..
عندما كنتُ أبوح لها
أنّني أُحبّ أن أُرسَم عارية ..
و أستغرق وقتًا في الحكي عن أنّ لوحتي ستوضَع في متحف مهمّ في العالم ..
حلمٌ جميل ..
متحف بديع من ضمن متاحف أُحبّها ..
لم يُكتَب لي أن أزوره في حياتي
و يدخله جسدي العاري بعد الموتِ ..
يجب أن يبقى جسدي
يجب أن يُخلّد في لوحة
أو منحوتة ..
كم هو جميل؛
كم تحمّل معي هزائمي و معاركي و تنقّلاتي و مرضي ..
كم شاهدته في المرآة ..
كم حمل كثيرًا من الملابس ..
و حدث بينه و بين فساتينه حكايات جمّة ..
أُمّي تغضب ..
تقول ” ويحك يا نور ” ..
ويحك كلمة عربية ثقيلة
هي تقول كلامًا كثيرًا بالعاميّة تُفسّرها هذه الكلمة ..
آسفة من تكرار كلمة نور ..
نور اسمي الّذي أُحبّه
ربّما أيضًا مللتم منه
أو أنّكم مللتم من النصوص الكثيرة المعتادة أنا على أن أبدأها به
كتعريف لنفسي؛
اسمي يشرحني ..
لا أُبجَّل لأيّ شيء
إلّا لأنّني جميلة ( حقيقة أدركتها )
لستُ مغرورة الآن لا ..
تجرّدتُ من الغرور
مثلما تجرّدتُ من كّل شيء سيئًا كان أم طيّبًا ..
كالحبّ مثلًا
هل تعلمون أنّني حتّى لا أعرف للحبّ تعريفًا دقيقًا إلى الآن
رغم وقوعي به !
لا يهمّ معقّدة أنا كما الاكتئاب ..
يُبجّلني البعض
فقط لأنّهم يرونني جميلة كما ذكرت ..
ربّما لم يقرأوا أبدًا عن جميلاتٍ تعيسات ..
تعيسات جدًا ..
ربّما لم يعرفوا عن مونرو و داليدا و غيرهنّ ممَن أُحبّهم ..
ربّما أخذتني تخاريف و هلوسة المرض حتّى أنّني ذكرت نماذج وصلوا لقمّة الجمال ..
مع أنّني عاديّة بالمقارنة معهنّ ..
أو أنّني خارج إطار المقارنة و المنافسة من الأساس ..
بالمناسبة و على سيرة المرض ..
المرض جميل و مهذِّب؛
يجعلنا نُراجِع حسابتنا
هو الّذي جعلني أكتب الآن ..
المرض و لو كان خفيفًا كما الحبّ ..
يُحلّي الكتابة
فقط الكتابة ..
لا أعرف إن كان نصّي سيُقرَأ أم لا
لا أعرف إن كان حلوًا أم لا
أعرف نصوصًا حلوة لمكتئبين ..
أعرف أنّ نصّي مُرًّا فقط
مُرًّا و مؤلم
هو حقيقي
و لابُدّ منه
يُجرّدني من حملٍ كبير ..
أستحضر كلّ شيء ..
أستحضر سلڤادور دالي
و أسمعه يقول لي ” أُحبّك ”
تخاريف .. تخاريف ..
لكن الحقيقي منها أنّ أحدًا قال لي ذات يوم في جورنالٍ ما
” فاكرة نفسك سكينة فؤاد ”
حزنتُ جدًا ..
و تذكّرت أنّ أُمّي ضخّمتني كثيرًا
حين قالت
” ستُغذّين العقول، آمل أن تكوني كما سناء البيسي ”
رددت وقتها عليه
” لا، سناء البيسي ”
بعدما استرجعت سريعًا مقولة أُمّي ..
أُريد أن أكون نفسي فقط
و أكتب لنفسي
لا .. لا
أُريد ألّا أكون
أن أُفنى في سلام و بسلام
و لا يُذكَر لي أيّ أثر ..
مُذبذَبة أنا هكذا دائمًا ..
أجرّ حملًا ثقيلًا
أجرّني .. أجرّني ..
يااه لو تجرّدتَ منّي ..
يااه لو تجرّد الإنسان من ذكرياته
و علاقاته و عقيدته ..
يااه لو تجرّد من ذاته …
سيُصبِح خفيفًا
سيُصبِح نسمة ..
أُريد الآن ألّا أكون .. ألّا أكون ..
بقلم الشاعرة نور عبد الرؤوف
Discussion about this post