بقلم … فوزي نجاجرة
من فلسطين
قصة قصيرة :
الرسم بلون البحر
لا أكتب الا للضرورة القصوى ، أغلب حروفي أكتبها ليس بحبر عادي ، انما أكتبها بماء البحر ، فتجدني دائما أجلس على شاطئ بحر الوفا والشفا ، أو بحر الصدق ، أو بحر الأمانة ، أو بحر الروح ، أو بحر الهوى ، لكن بعد التجارب العديدة ، فقد تبث لي أن الكتابة بما البحر عادة ما تكون عميقة . فالأحرف تتواصل مع كل لغات العالم بدون حاجتها لقواميس الترجمة ، الكلمات غالبا ما تكون جميلة نظيفة لا تحتاج لغسيل .الكثير مما أكتبه يدققه أشهر علماء الكيمياء والفيزياء في البحار والمحيطات ، والذين هم متخصصون في علم الاصول وعلم الخير . كل حرف له قيمة ووزن ، عندما أركب الكلمة ، تحضر كل الحروف مع أول أمواج البحر مملوءة بالنشاط والهمة ، تكون ثقيلة وثمينة ، بعضها حسب ظني يحتوي على جواهر بعيدة عن التزييف ، لكن ليس أي قارئ عنده القدرة على كشفها . كما يحضرني أن الكثير من المرضى وخاصة مما يعانون عسرا في الحب ، اذا ما قرأوا كتاباتي يتشافون ويتعافون باذن الله . فكلماتي هي بلسم للانسانية .
في يوم من الأيام ، بينما كنت جالسا على شاطى بحر الدواء ، أكتب خاتمة رواية ، فرغ القلم من حبر البحر ، غمسته في ماء موجة جاءت من طبقات بحر عميق ، اذ بي أشاهد حورية بحر تخرج من الموجة وتجلس أمامي وهي تبكي بحرقة تدمي القلب . أغمضت عيناي ثم فتحتهما مرة ومرتين وعشرة ، لاتأكد مما ارى ، صرت التفت يمينا وشمالا لارى اذا ما كان هناك حولي أناس ، يشاهدون ما أشاهد ، فلم ارى أحدا . حقيقة لم ترى عيني أدمية في جمالها منذ أن ولدتني أمي ، حدقت فيها بكل جوارحي ، حالة من الدفئ احتلت كياني ، تسائلت بدل السؤال ألف في لحظة وليس لحظات ، وجدت عقلي وقلبي يردد “تبارك الخلاق فيما خلق ” متوسطة الهيئة والقوام ، ذهبية اللون ، عيونها زرقاء ، شعرها لون الحناء ، عنقها طويل ، اذرعها أطول من أذرع الفتاة الأدمية ، أثدائها متوسطة الحجم مستنفرة ، نصفها الأعلى ادمية ، نصفها الاسفل سمكة .
بعد برهة قصيرة أستعدت توازني وردة الفعل ، هدأت أعصابي ، أدركت انه علي ألتواصل معها اذا أمكن ، لم تتوقف الحورية عن البكاء ، لكن بدأت حدته تنخفض تدريجيا ، انتقل لساني يقول ، لا حول ولا قوة الا بالله ، تأملتها بكل حواسي ، تأثرت كثيرا من بكائها ، شيئ مؤلم صار يسري بدمي ، يضغط صدري ، أحسست أن دماغي منقبضة ، فالبرغم من قصر الوقت الذي استغرقه ظهور هذه الشابة الحورية وأنا أتأملها ، الا أنني حسبته كيوم ساعاته طويلة ، أحسست بحاجتي للخروج من هذا الموقف بسرعة . فجأة توقفت الحورية الحسناء عن البكاء ، نظرت الى وركزت عينيها بعيوني ثم قالت :
_ السلام عليكم أيها الأستاذ الكريم .
_ وعليكم السلام ، أعلا بخير زائرة .
_ أهلا بخير كاتب عظيم .
_ سيدي ، أنا شاعرة كبيرة من حوريات بحر الجفا الكبير ، قرأت بعضا من خواطرك ، اكتشفت أن كلماتك تساعدني على استعادة ضحكتي ، ربما انك لا تعلم بأن جميع المخلوقات في البحار ، والتي هي من نفس فصيلتي ، ترضع كلماتك مثل حليب الأم ، فكتاباتك هي غذاء مكمل لنا ، استاذي هل تعلم انني أمرأة لا اضحك أبدا ، وأعاني من عسر في الضحك.
_ ماذا تقولين ؟؟؟
_ نعم مثلما سمعت بالضبط .
_ أيوجد مخلوق على هذا الكوكب لا يضحك ؟
_ نعم يوجد يا استاذ ، فمحدثتك أضاعت ضحكتها منذ زمن طويل .
_ أستنتج أنك قديما كنت تضحكين ، وكانت لك ضحكة ، هل ما أقوله صحيح ؟
_ أجل ، انت محق ، لكني نسيت ضحكتي منذ زمن بعيد ولا أدري أين هي .العديد من الأوقات بحثت عنها ولم أجدها ، هذا بالضبط ما حصل معي ، في الأمس فقط لملمت هدبي ، وقرأت لك سفرا من الأسفار ، فأنا أمراة تهيم بالأشعار ، فبدى لي أني شعرت بشيئ قد تحرك في كياني ، تحيرت ، ثم ادركت بعدها أن سر هذه الحركة هو حصول دماغي على جرعة من كلماتك المغذية له ، والتي كان يعاني من نقص شديد لها منذ وقت طويل ، هي عن المحارات التي تحتوي على مادة موسومة بالفرح . فقررت حينئذ استاذي أن أسبح وأقطع الأف الأميال البحرية الطويلة ، في أعماق التيارات المائية الهائلة ، وأحضر اليك وأقابلك ، هل لي أن أسالك اذا سمحت لي سيدي ، ماذا أصنع بضحكتي المفقودة ؟
_ شاعرة البحر الموقرة ، أنصحك أن تفكري جيدا وتحاولي التذكر معي ، هل قام شخص ما بسرقة ضحكتك يوما ما ؟ هل ضاعت منك في مكان ما سهواً ؟ عليك بالبحث عنها سيدتي والتأكد .
_ أنا لم أضيع ضحكتي ، ولم يسرقها شخص مني ، استاذي أعتقد جازمة أن الزمن خطفها مني ، واستبدلها بالبكاء.
_ يا لك من امرأة شقية ؟ أذن أنت لا تستطيعين الضحك ، تبدعين فقط البكاء !!!
_ هذا بالضبط أنا ، أنا بكائية باستمرار ، فكل ما يحيط بي يجعلني أبكي ، عيوني جف دمعها من كثر البكاء ، ليلي طويل نهاري تحول ليل ، البكاء يرافقني يزاحمني على كل لحظة أحاول فيها ايجاد ضحكتي .
_ يا للشقاء ، اذن انت بحاجة لقراءة كتاباتي كثيرا حتى تتعافين ، مرة قبل النوم ومرة بعد النوم ، ما رأيك سيدتي ؟
_ كلا ….كلا يا استاذ ، أنا من قرائك الجيدين ولا تنقصني القراءة ، ما ينقصني وأحتاجه حقيقة ، هو إن تكتبني قصة بين حروفك وكلماتك ، أو تجعلني بطل من أبطال رواياتك ، فهذا ما يشفيني .
_ على الرحب والسعة ، أنا مستعد لمساعدتك كي تعثري على ضحكتك ، وأن أكتبك قصة و قصيدة ، شعرا ونثرا .
_ نعم سيدي أشكرك جزيلا ، وسيكون لك جائزة قيمة على ما ستصنعه لي ، اذن ما عليك الأ أن تجهز أناملك وأقلامك ، وتلتقيني كل يوم من الأن وصاعداً وفي نفس هذا الوقت على شاطئ بحر الروح .
Discussion about this post