بقلم الأديب هاني الفرحاني … تونس
لقد أعادت الحرب على غزة للمشهد السياسي قضية فلسطين. هذا البلد الذي بقي يرزح تحت وطأة استعمار صهيوني متوحش بعد أن تحررت كل المستعمرات. مما سبب حروبا متتالية خلفت الدمار والتهجير رغم علاقة التسامح التي ابداها العرب تجاه اليهود عبر كل تاريخهم. في حين أن الغرب أصبح معهم في علاقة تكامل بعد مرحلة التهجير والابادة.
فماهي الأسباب العميقة لذلك؟
ولماذا هذا التحول في علاقة الغرب بهم؟
وما هو مستقبل إسرائيل بعد طوفان الأقصى؟
وما هو المطروح على الشعوب العربية في هذه المرحلة من تاريخنا؟
حوالي 1210 ق.م غزى بنو إسرائيل أرض كنعان إحدى القبائل العربية التي استقرت بأرض فلسطين منذ عهود قديمة. ولما كانت سنة 990ق.م استولى داود على أرشليم (القدس) من الكنعانيين لتصبح عاصمة لإسرائيل. ثم يستولي بعد ذلك على أرض واسعة تمتد من سيناء إلى أعالي الفرات. ولما توفي سنة 697 ق. م يصبح سليمان ملك إسرائيل المتحدة ليبني الهيكل الأول في أرشليم سنة 950 ق. م. تفرق الاسرائيليون بعده إلى مملكتين. الا أن مملكة إسرائيل الشمالية سقطت على يد الأشوريين وبقيت مملكة الجنوب مستقلة مع دفع الجزية للبابليين والفراعنة. ولما كانت سنة 587ق.م يدمر البابليون الهيكل وتصبح المملكة محافظة تابعة لبابل مع تشريد عدد كبير من اليهود. ولما هزم الفرس البابليين سمحوا لهم بالرجوع وبناء هيكلهم. ولما كان بعد ذلك الحكم للرومان وأمام ممارسات اليهود، أمر الامبراطور الروماني باكتساح القدس وحرق الهيكل الثاني.
لقد استعرضنا كل هذه المراحل من تاريخ اليهود للاستدلال على أن الأرض عربية وأن اليهود هم الذين استولوا عليها من الكنعانيين وأن كل مصائب اليهود لم تأت من العرب أصحاب الأرض بل جاءت من الأشوريين البابليين والرومان. وحتى بعد الإسلام لما استولى عمر بن الخطاب على بيت المقدس أقام سياسة التسامح تجاه اليهود. ولعل اقصى ما لحق اليهود من أذى من الجانب العربي ولاعتبارات موضوعية نظرا لما صدر منهم تجاه الدولة الاموية هو ما أمر به عمر بن العزيز من سن قوانين تمييزية ضدهم لابعادهم عن الوظائف الحكومية وارغامهم على ارتداء لباس مميز. والدولة الاموية نفسها بالاندلس رحبت بكل اليهود وسمحت لهم بالدخول لكل الوظائف العسكرية منها والسياسية. َوهذا دليل على أن التقييم السياسي يختلف باختلاف ممارسات الطرف المقابل. أما ما وقع في المدينة في عهد النبي محمد فكان نتيجة لمخالفتهم لدستور المدينة(الصحيفة). إذ تمت محاربة بني قريظة عقب غزوة الخندق وإجلاء قبيلة بني قينقاع عقب غزوة بدر وإجلاء قبيلة بني النضير عقب غزوة أحد.
وقد تعايش اليهود مع العرب عبر كل مراحل التاريخ وحفظ الاسلام حقوقهم ومكنهم من حرية العبادة وحفظ النفس والعرض والمال.
أما علاقة اليهود بالغرب فلم تكن يوما موسومة بالتسامح وحسن الجوار كما كانت بالنسبة للعرب.
إذ كانت سلسلة من المذابح والتشريد والتنكيل. ففي سنة 1099, تاريخ الحرب الصليبية الأولى بقيادة (غودفري) تم تقتيل اليهود وتشريدهم ولم يسمح لهم بدخول القدس طيلة استقرار الصليبيين فيها الا بعد تحريرها على يد صلاح الدين الايوبي. سنة 1200 تدهورت مكانة اليهود بأوروبا ووقع طردهم من كل أوروبا الوسطى والغربية وحرق التلمود علانية في باريس سنة 1240. كما عرفت روسيا مذبحة ( كشينيف) لليهود من سنة 1903 إلى سنة 1906. تم فيها تقتيلهم وتدمير الاف الدكاكين البيوت. هذا علاوة على ما وقع عقب الحرب العالمية الأولى من تهجير لليهود وقتلهم لانهم كانوا سببا مباشرا في اشعال فتيل الحرب وما خلفته من خسائر ومآسي. ولما كانت الحرب العالمية الثانية كانت الطامة الكبرى لليهود على يد ( هتلر) في ما يعرف بالهولوكوست…
السؤال هنا هو ما سر هذا التحول في علاقة الغرب باليهود من عداء وإبادة إلى حضانة وتمكين.
الإجابة حسب رأينا تتمثل في النقاط التالية.
– عامل ديني : إذ أن المسيحيين واليهود بينهم اعتراف بالنبوة لموسى عيسى في حين أنهم لا يعترفون بنبوة النبي محمد. لذلك عندهم la bible وهو مجموع التوراة الإنجيل. أي الرسالة الأولى والرسالة الثانية l’ancien testament et le nouveau testament. وهذا ما بنى عليه الصهاينة في خلق (المسيحية الجديدة) لربط الصلة الوثيقة بين المسيحيين واليهود الكاتوليك بصفة خاصة. لا سيما أن اليهود حسب أساطيرهم فإن فلسطين هي أرض الميعاد التي ستجمع اليهود وتكَون منطلقا للتحكم في كل العالم نظرا لموقعها الجغرافي ومكانتها التاريخية.
– عامل حضاري : لقد طرح الغرب على نفسه صراعا حضاريا مع العرب مند القرن السادس عشر. وبعد مرحلة الاستعمار المباشر جاءت ضرورة زرع جسم معرقل حتى لا يتمكنوا من اكتساب القوة التي تمكنهم من رسم مستقبلهم بأيديهم. فالغرب لم ينس أن العرب المسلمين كانوا لالندلس لمدة ثمانية قرون واستولوا على أوروبا الشرقية وتركوا بصماتهم الى حد هذه الساعة. كما دمروا سابقا الامبراطورية البيزنطية.
– العامل الاقتصادي : لما كان اليهود طرفا مرضبا عنه بالغرب فقد تغلغلوا في اقتصاديات بلدانه حتى أصبح اللوبي الصهيوني سيد الموقف الاقتصادي ومن ثمة السياسي.
أما مستقبل إسرائيل حسب قراءتنا فإن مصيرها كمصير هيكلها المفقود. فحلم إسرائيل الكبرى قد تحطم على صخرة المقاومة التي أصبحت الآن مقاومات. ثم إن الرأي العام الدولي آخذ في الاستفاقة من المغالطات الاسرائيلية ليضغط على حاكميه الذين بدأوا يحسون بأن إسرائيل باتت حملا ثقيلا ماليا وسياسيا وإخلاقيا.
وأمام هذا الوضع بات من الواجب على العرب أن يساندوا المقاومة ويقفوا ضد موجة التطبيع مشترطين في ذلك ” الأرض مقابل السلام”. وإن كان للأقصى طوفان فإن طوفان التاريخ عنصر مساعد لتحقيق قيام دولة فلسطين.
Discussion about this post