لأول مرة في تاريخ الصراع العربي – الإسرائيلي ، شهدت متطقتنا الأوسطية في 7 اكتوبر / تشرين أول 2023 حدثاً غير عادي ” طوفان الأقصى ” حيث تغيرت جزمية المعتاد بأن تكون أراضي الدول العربية هي ساحة المعركة ، وتلكم مصلحة إسرائيلية عليا ، فضلاً عن كونها مصلحة للحلف الدولي – الغربي بزعامة الولايات المتحدة ، الداعم بلا تحفظ لإسرائيل .
قد يكون السبب في سلوكهم هذا هو التعصب الشديد و الجمود الفكري وهو ما يعرف ” الجزمية ” او الدوغمائية (Dogmatic) وهي حالة تمنع الشخص من قبول أي اختلاف مع أفكاره و معتقداته، وتجعله يتشبث بها حتى لو ثبت له خطأه.
في استراتيجية السياسة الاسرائيلية أن الحرب البرية حاجة “وجودية” لإسرائيل بعد زلزال ” طوفان الاقصى ” ضمن رؤية لأهداف الحرب قد تتخطى المسارات السابقة ، باتجاهها نحو تصفية المقاومة ومحاذيرها نحو تصفية القضية الفلسطينية .
إضافة الى الحاجة الملحة لرفع المعنويات وإعادة بناء جسور الثقة المنهارة بين الإسرائيليين وجيشهم ومنظومتهم الاستخبارية التي سجلت فشلاً ذريعاً ، بالنظر الى الأعداد الكبيرة من الأسرى والمحتجزين العسكريين والمدنيين، الإسرائيليين والغربيين والأجانب، الذين بحوزة “كتائب القسام ” وبما لا يقل فداحة عن فشل الجنود والوحدات العسكرية وقوات الاحتياط الذين تم استدعائهم بمئات الالاف ، ستتلاحق آثاره لاحقاً على الترهل السياسي والاجتماعي والاقتصادي .
حيث تخوض إسرائيل أشرس المعارك ضد البشر والشجر والحجر في غزة ، في الوقت نفسه تظل عينها على الضفة الغربية حيث تقوم باستهداف وقصف المناطق الساخنة فيها ، لإعطاء زخماً لمشاريعها في ضم الضفة الغربية وتسريع سياسات التهويد، من ضمن مخطط أوسع لتصفية القضية الفلسطينية بحلها خارج فلسطين ، في الأردن ومصر ، وعلى حساب أمنهما القومي واستقرارهما، وهو مخطط يشكل تهديداً وجودياً للأردن ( وطناً، وكياناً، وهوية) ، كما تطال مصير 2،25 مليون فلسطيني غزّاوي عبر تهجيرهم القسري نحو سيناء المصرية ، تحت ضغط القصف التدميري المنهجي المنظم والعشوائي، وكنتيجة لسياسات الحصار و التجويع والتعطيش، وقطع الماء والطاقة والغذاء والدواء عن الكافة، وتحويل قطاع غزة، إلى مجال حيوي أمني ملحق بها .
في ضمن السياق ، ووسط صمت رسمي دولي أجوف على استهداف المدنيين في غزة ، شهدت العديد من عواصم الدول الغربية مظاهرات حاشدة تضامناً مع فلسطين وشعبها ، ومطالبةً بوقف الحرب وجرائم اسرائيل بحق المدنيين ، بما يوحي تغيّر ملموس في المواقف الشعبية الغربية من فلسطين.
وتأتي تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش ، لتكون أكثر ايجابية نحو القضية الفلسطينية منذ زمن بعيد ، اقتباس …
“أعمال العنف الأخيرة هذه لا تأتي من فراغ ، في الواقع، لقد نشأت من صراع طويل الأمد مع احتلال دام 56 عاما بدون نهاية سياسية في الأفق. حان وقت إنهاء هذه الحلقة المفرغة من سفك الدماء والكراهية والاستقطاب ” 14 اكتوبر .
“حتى الحروب لها قواعد ،ويجب احترام القانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان والتمسك بهما؛ ويجب حماية المدنيين وعدم استخدامهم أبدا كدروع بشرية .” 24 اكتوبر
“يجب أن يتحمل الجميع مسؤولياتهم. إنها لحظة مواجهة الحقيقة. والتاريخ سيحكم علينا جميعا.”
انتهى الاقتباس ..
من زاوية اخرى ، صدر البيان الختامي للقمة العربية – الاسلامية التي انعقدت في الرياض يوم السبت 11 تشرين ثاني / نوفمبر 2023 بحضور قادة 57 دولة ( حول موضوع غزة ) ، والذي ترأسه سمو ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ، حيث قال سموه ” إننا على يقين بأن السبيل الوحيد لتحقيق الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة هو إنهاء الاحتلال والحصار والاستيطان وحصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة وإقامة دولته المستقلة بحدود 67 وعاصمتها القدس الشرقية، وهو ما يضمن استدامة الأمن واستقرار المنطقة ودولها ،وإذ نؤكد مركزية القضية الفلسطينية، وتلبية جميع حقوقه غير القابلة للتصرف، وخصوصا حقه في تقرير المصير والعيش في دولته المستقلة ذات السيادة ” .
وركّز البيان الختامي بشكل مختصر على النقاط التالية : ” إدانة العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة وجرائم الحرب والمجازر الهمجية الوحشية واللاإنسانية التي ترتكبها حكومة الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني والمطالبة بضرورة وقفه فوراً ،
مع رفض توصيف هذه الحرب الانتقامية دفاعا عن النفس أو تبريرها تحت أي ذريعة.
كسر الحصار على غزة وفرض ادخال قوافل مساعدات إنسانية بشكل فوري، ودعم وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) ،
مطالبة مجلس الأمن اتخاذ قرار حاسم ملزم يفرض وقف العدوان ويكبح جماح سلطة الاحتلال الاستعماري التي تنتهك القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني وقرارات الشرعية الدولية، وآخرها قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقمA/ES-10/L.25 بتاريخ 26/10/ 2023، واعتبار التقاعس عن ذلك تواطؤاً يتيح لإسرائيل الاستمرار في عدوانها الوحشي ،
الطلب من المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية استكمال التحقيق في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية ،
دعم المبادرات القانونية والسياسية لدولة فلسطين لتحميل مسؤولي سلطات الاحتلال الاسرائيلية المسؤولية على جرائمه ضد الشعب الفلسطيني، وبما في ذلك مسار الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية، والسماح للجنة التحقيق المنشأة بقرار مجلس حقوق الانسان للتحقيق بهذه الجرائم وعدم إعاقتها.
ادانة الاعتداءات الاسرائيلية على المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس، واجراءات إسرائيل اللاشرعية التي تنتهك حرية العبادة، وتأكيد ضرورة احترام الوضع القانوني والتاريخي القائم في المقدسات،
التأكيد على أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، ودعوة الفصائل والقوى الفلسطينية للتوحد تحت مظلتها، وأن يتحمل الجميع مسؤولياته في ظل شراكة وطنية بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية.
إعادة التأكيد على التمسك بالسلام كخيار استراتيجي، لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وحل الصراع العربي الإسرائيلي وفق القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، بما فيها قرارات مجلس الأمن 242 (1967) و (1973) 338 و497 (1981) و1515 (2003) و 2334 (2016)، والتأكيد على التمسك بمبادرة السلام العربية لعام 2002 بكافة عناصرها وأولوياتها، باعتبارها الموقف العربي التوافقي الموحد وأساس أي جهود لإحياء السلام في الشرق الأوسط، و أن الشرط المسبق للسلام مع إسرائيل واقامة علاقات طبيعية معها، هو إنهاء احتلالها لجميع الأراضي الفلسطينية والعربية،
التأكيد على ضرورة تحرك المجتمع الدولي فوريا لإطلاق عملية سلمية جادة وحقيقية لفرض السلام على اساس حل الدولتين وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية بكامل عناصرها.
الدعوة لعقد مؤتمر دولي للسلام، في أقرب وقت ممكن، تنطلق من خلاله عملية سلام ذات مصداقية على أساس القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ومبدأ الأرض مقابل السلام، ضمن إطار زمني محدد وبضمانات دولية، تفضي إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967، بما فيها القدس الشرقية، والجولان السوري المحتل ومزارع شبعا وتلال كفر شوبا وخراج بلدة الماري اللبنانية وتنفيذ حل الدولتين” .
باعتقادي ،تحظى مأساة الشعب الفلسطيني حالياً بقدر غير مسبوق من تاييد الشعوب فى كل مكان بصرف النظر عن الدين او العقيدة كقضية تحرير شعب ووطن من الاحتلال الاسرائيلي البغيض…
لعل الفارق بين رؤيتك للاشياء وانت داخل الوطن اوخارجه ، هو تقدير حجم المأساة الحقيقية ،
في ظل سياسات عقيمة اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً ، ولكن الاوطان والشعوب عبر التاريخ قصة لا تنتهي ، وتبقى العبرة بالتحذير وليس بالتخدير ، فالضرورة تقتضي التغيير في السياسات بالعقل والحكمة ، وبناء المصالح المشتركة لتحقيق الأهداف بعيداً عن العواطف والفشل المتراكم لننتصر بارادتنا وادارتنا .
وفي الختام ، ثمة هواجس لدى العديد من الناس ،
هل سيبقى التصعيد ضمن قواعد الاشتباك في المنطقة ام سيتغير المشهد ؟
هل سنشهد تنفيذ جزئي لصفقة القرن ؟
باعتقادي ، أن معالجة منهج الظلم وعدم المساواة والعنصرية والمعايير المزدوجة وإعادة الحقوق والاراضي المغتصبة وتفعيل منظومة حقوق الانسان بشكل متوازن ومستدام بشكل عاجل ، هو الحل لتجنب عواقب وخيمة على المستوى الإقليمي والعالمي يصعب تداركها ، وتهدد الاستقرار والأمن والسلام على كوكبنا ، وتهدر انسانيتنا .
والى لقاء آخر …
مهندس باسل كويفي
Discussion about this post