فَهْرِسي عواطِفَكِ..
كي لا يَهْرُبَ نخيلُكِ مِنْ بَلَحي
بقلم الشاعر توفيق أحمد
أَكْتُبُ هذا النصَّ لغانيةٍ يتَشَبَّهُ بها الجمال
لأنثى لا تُشْبِهُ غَيْرَها
أنثى كثيرةِ الألغاز والمتاعب
أنثى يكادُ الوقتُ المهترئُ أن يتخلّى
عن صمتِها وطيورها وصوتها وصفصافِها
أكتبُ هذا النصَّ..
ويا ليتَ وجهَها يدري أنني أَعْنيهِ
إذا سَأَلْتَ عنها
تَرى جوابَها نائماً في قمصانِها
لعلَّها النورسُ الذي حَبِرَ كثيراً من البحار
يا ليتها تتوبُ عن خسائِرِها
وتمدُّ أجنحتَها على فضاءاتٍ جديدة
يَهْرُبُ نخيلُها من بَلَحي
وأعرفُ أنها صحراويَّةُ الهوى
وأنَّ جذورها الماضية كانت حديقةً للبحر
أعرفُ أنَّهُ رغم كُلّ ما حدث
بقيَ لديها ما يكفي لتكونَ ملعباً لِزُمَرِ عصافيرَ
وبقي الكثيرُ من الألوان
تستطيعُ أنْ تُصادِرَها بعد عناءٍ ما
واعتمادِ بوصلةٍ ذكيةٍ لاكتشافِ خرائِطِها
هي مطرٌ بلَّلَ كثيراً من الوجوهِ الظامئةِ
نريدُها أن تُمطِرَ في فصولٍ بين الفصول
وأن تَنْثُرَ نُجومَها على آفاقٍ تحتاجُها
قالوا:
صوتُها يُشبهُ النايَ الحزين
ولكنّه لا يَنْفَجرُ إلاَّ بالسعادة
تُسافرُ..
وتَتْرُكُ للآخرينَ مُكوثَهُمُ الجافَّ الخائفَ
جَسَدُها عَبْقَريٌّ
يَهُزُّهُ الحُسْنُ والغِوى
ولكنَّهُ يحتاجُ إلى فرسانٍ لإيقاظِهِ أكثرَ
يَختبئُ خَلْفَ أصابِعِها القَمحُ والغمامُ والأسئلة
أعتقدُ أنَّ أزاميلَها
لم تستطِعْ كَسْرَ أحجارِ الأيام
رغم أنها عندما تبوحُ
ينبجسُ الوردُ من شفاهِها
ويتمطَّى الوعْدُ طالباً أقربَ لقاء
يومَ عَبَرْنا تلك الأوديةَ وضِيقَ الطرقات
يومَ كانتِ الكلماتُ مستعدّةً للانهمار
ويومَ أصبحَ الوعْدُ يُشبهُ الحقيقةَ في تلك الجبال
كانت أنهاري كافيةً للمرورِ على البَوار
وكانتْ مياهُ الوجْد تُشيرُ إلى إرواءِ الحقول
كان قنديلُكِ الخافتُ
يحتاجُ شراباً من نور
وكانتْ حَلَباتُ الوقتِ
تستعدُّ لاستقبال صهيلِ الخيول
فَهْرِسي عواطِفَكِ
ضمِّدي جراحَ طقوسِكِ
ماضينا الشخصيُّ ليس مُقَدَّساً
وصحيحٌ أنَّ المصادفَاتِ تَجْمَعُ
ولكنَّ العُشَّاقَ ليسوا عابري سبيل
ما زلتُ أبحثُ عن أدلةٍ في عينيكِ
لِأَكْتَشِفَ اللآلئَ الغافيةَ في أعماقِكِ
هل ستشربُ شفتانا نبيذاً قادماً
يَحمِلُ أسرارَهُ التي لا تحتملُ التأويلَ
أتمنّاكِ سُلْطانةً في الغرام
ولو خَسِرْتُ كُلَّ جنودي
وكما تقول الحكمةُ الداغستانية:
في حال احتدام المعركة
إلْقِ مِنْديلَكِ بين المتعاركين
حاوِري الربيعَ من جديد
لعلَّهُ يختارُ لكِ فساتينَ مختلفةً
اختاري غصوناً أُخرى
لِتَحُطَّ عليها عصافيرُكِ
في تفاصيلِكِ أكثرُ من موسم
يَحتاجُ إلى قطافٍ مفاجئٍ وأنيق
نهارُكِ يُشبهُ الليلَ بصمتِهِ الاحتفاليِّ الخاص
وليلُكِ الطويلُ مرتبطٌ بأولِ النهار
أُحِبُّ فيكِ عفويَّتَكِ
الممزوجةَ بحماقات القوانين الوهمية
ونصوصَكِ المُتخَمَةَ باليقين الطفوليّ
ولا أُحُبُّ احتراقَكِ على جَمْرِ المجهول
عليكِ أن تعرفي أكثرَ
أَنَّ وجْهَكِ يَفيضُ منه الكلامُ والغمام
وأنَّ غموضَكِ يُثيرُ بعضَ الغضب
عليكِ أن تُوَزِّعي عُرَبَ صوتِكِ
على الآذانِ التي تُصغي لها بحكمةٍ ووجْدٍ
وأن تردعي عنْكِ حماقةَ ما مضى من أيّام
ولا تقاومي هديراً جاءَ ليَلُفَّكِ بحنينِهِ
لعلَّكِ رؤيايَ الجديدةَ في كتاب الزمن
وحواري مع ذاتي ومتاعبي
وقصيدتي التي سأمضي في إشعال حروفِها
وكَرْميَ المليءَ بالعناقيد
والغيمةَ المُثقَلَةَ بالمواعيد
وكُلّما الْتَهَمَتْ عيناكِ نصَّاً
سيندلع نَصٌّ آخرُ قادمٌ من إلهام بريقِكِ
انْدلعي واحْرقي واحترقي
بَعْدَ ذلك ستنضُجُ أغنيةٌ تَقول:
لقد تلاقيا بعد كثيرٍ من الجراحِ
وكثيرٍ من الانتظار
تلاقيا زيتاً وقنديلَ
نافذةً وهبوبَ نسيمٍ
عينينِ وضياءَهُما
يديْنِ ومعاصمَ
حَبَقاً وجبالاً وربىً وقرىً ومدناً
تلاقيا في كُلِّ الخيارات
بقلم توفيق أحمد
Discussion about this post