من رموز مصر الوطنية والثورية المهمشة
الحاج مصطفى البشتيلي الزيات الملقب بسبع بولاق العظيم
كتب … خطاب معوض خطاب
سبع بولاق العظيم هو لقب الحاج مصطفى البشتيلي الذي شرفت بالكتابة عنه في كتاب “القاهرة.. حكايات من زمن فات”، الذي يعد واحدا من رموز وقادة ثورة القاهرة الثانية ضد الفرنسيين في سنة 1800، ولم يحفظ لنا التاريخ غير اسمه هذا، ولم أعثر على اسم أبيه أو جده فقط هو اسمه مصطفى وينتسب إلى بلدة بشتيل الواقعة بمحافظة الجيزة، ويلقب بالزيات لأنه كان يمتلك أكبر وكالة لتجارة الزيوت بمدينة القاهرة وتحديدا في منطقة بولاق أبو العلا، وقد ذكره المؤرخ عبد الرحمن الجبرتي في تاريخه.
وبولاق أبو العلا حي قديم من أحياء مدينة القاهرة، وحي بولاق يقع على الضفة الشرقية لنهر النيل في مقابلة جزيرة الزمالك، وبدأت شهرة بولاق مع قدوم الحملة الفرنسية على مصر بقيادة نابليون بونابرت سنة 1798، وقد ذكر البعض أن أصل كلمة بولاق هو “بو لاك” بالفرنسية، ومعناها البحيرة الجميلة، ثم حرف الاسم إلى بولاق، ولكن يظل هذا الكلام مرسلا لأنه لا يوجد ما يؤكده، وذلك لأن بولاق كانت موجودة ومعروفة من قبل قدوم الحملة الفرنسية.
ورغم أن أهل بولاق لم يساهموا مساهمة ملحوظة في ثورة القاهرة الأولى على الفرنسيين، إلا أنهم كانوا هم مفجري ثورة القاهرة الثانية بل كانوا هم قادتها وزعماءها، وكان الحاج مصطفى البشتيلي أحد أهم الزعماء والقادة الذين تزعموا وقادوا ثورة القاهرة الثانية ضد الاحتلال الفرنسي لمصر، أو ما يطلق عليه الحملة الفرنسية على مصر، وقد تم اعتقاله سنة 1799، بسبب وشاية من بعض الخونة الذين أخبروا الفرنسيين أن البشتيلي يخبئ في وكالته بارودا ليستخدمه في حربه ضد الفرنسيبن.
وقد حدث هذا يوم كان نابليون بونابرت هو قائد الحملة الفرنسية على مصر، وقضى الحاج مصطفى البشتيلي في ذلك الوقت شهورا سجينا في سجن القلعة قبل أن يخرج، ولم تذكر المصادر شيئا عن كيفية خروج الحاج البشتيلي من سجنه، ولا عن حياته منذ خروجه حتى اشتعال ثورة القاهرة الثانية في 20 مارس سنة 1800، فوقتها سطع نجمه كواحد من زعمائها وقادتها المشهورين، وقاد البشتيلي ثورة أهالي القاهرة ضد الفرنسيين ولم يكن طامعا في منصب أو جاه أو أموال، فقد كان ثريا واسع الثراء، وكان يخزن البارود في”قدور الزيت” بالوكالة التي يمتلكها، كما كان يضع البارود في حزام يلفه حول وسطه ليستخدمه في حربه مع الفرنسيين، وكان يجمع البنادق والعصي ويعطيها للثوار.
والجدير بالذكر أن الحاج مصطفى البشتيلي قد اقتحم هو والعديد من الثوار مخازن الغلال ومخازن الأسلحة الخاصة بالفرنسيين، وقاموا بالاستيلاء عليها، ثم استخدموها بعد ذلك في قتالهم مع الفرنسيين، وكبدوا الفرنسيين خسائر فادحة في الأموال والأرواح، وحاول كليبر الذي تولى قيادة الحملة الفرنسية على مصر بعد نابليون أن يطلب الصلح من البشتيلي لكنه ظل يرفض مصرا على تكملة مشوار الجهاد ضد الفرنسيين، ونجح كليبر في القضاء على ثورة القاهرة الثانية التي استمرت شهرا وأياما معدودات، ولكن بعد أن دك مدينة القاهرة وقام بضربها بالمدفعية الثقيلة فخربها ودمرها، ورغم نجاحه في ذلك إلا أنه قد ظل حزينا لعدم الإيقاع بالحاج البشتيلي، الذي سرعان ما سقط في أيدي الجنود الفرنسيين بعد خيانة ووشاية من بعض المقربين إليه.
وأودع الفرنسيين البشتيلي سجن القلعة، وقاموا بتعذيبه 3 أيام متواصلة، ثم أخيرا قرر القائد الفرنسي كليبر أن يتخلص منه، ولم يفعل كليبر مثلما فعل سلفه نابليون، الذي قام بإعدام الزعيم السكندري محمد كريم فجعله بذلك بطلا شعبيا، ولكن القائد الفرنسي كليبر قام بتحريض بعض من أتباع الحاج مصطفى البشتيلي ضعاف النفوس ليتخلصوا منه، ووعدهم بالعفو عنهم إن هم فعلوا ذلك، زاعما لهم أنه سبب ما حل بالقاهرة من خراب ودمار، وبالفعل قام بعض أتباع البشتيلي بتجريسه بأن وضعوه فوق حمار بالمقلوب، وطافوا به شوارع القاهرة وهو على هذه الحال، وفي النهاية أسقطوه أرضا ثم انهالوا عليه ضربا بالعصي والنبابيت حتى قتلوه.
وهكذا كانت نهايته على يد من ثار من أجلهم، والغريب حقا هو أن يتم نسيان الحاج مصطفى البشتيلي الزيات تماما، ويُذكر فقط أسم كل من السيد عمر مكرم والسيد أحمد المحروقي والشيخ الجوهري كقادة لثورة القاهرة الثانية، بينما يمحى اسم البشتيلي من كتب التاريخ، وكأنه يعاقب على قيادته للثورة ضد الغزاة، فقط وإحقاقا للحق نثبت أن مؤرخنا الكبير عبد الرحمن الجبرتي وحده من ذكره وأشاد بدوره في تلك الثورة.
Discussion about this post