كتب / اسراء العريني
مسلسل “فارس بلا جواد” يعد واحدا من أشهر المسلسلات التليفزيونية التي جذبت المشاهدين وتركت لديهم أثرا وتأثيرا وعلامة ما زالوا موجودين رغم مرور سنوات على ظهوره، وبطل المسلسل الثعلب حافظ نجيب الذي جسد شخصيته الفنان محمد صبحي شخصي حقيقي بالفعل، ولكن أحداث المسلسل اختلط فيها الواقع بالخيال الدرامي، ونحن هنا نعرض لبعض الأحداث الحقيقية من حياة الثعلب حافظ نجيب وأغفلها صناع المسلسل، وقد قيل عنه إنه كان بطلا، وقيل إنه كان لصا ومحتالا، والمؤكد أنه كان شاعرا وقاصا وروائيا وصحفيا ومترجما وكاتبا مسرحيا وممثلا مسرحيا ومدرسا وواعظا دينيا وضابطا وجاسوسا وعاشقا معشوقا.
وفي مقابلة صحفية مع تشارلوت الشبراوي تم نشرها في مجلة “دي باري ريفيو” في صيف عام 1992، قال الأديب الكبير نجيب محفوظ إنه يعتبر أن حافظ نجيب هو صاحب أول تأثير أدبي عليه، وأنه حينما بدأ قراءة الروايات في العاشرة من عمره كانت أولى قراءاته من تأليف حافظ نجيب، فكان ذلك سببا في تغيير مسار حياته وتشكيل شخصية الروائي المعروف نجيب محفوظ فيما بعد.
والثعلب حافظ محمد نجيب حسن السداوي، ووالده هو ضابط الجيش المصري محمد بك نجيب، بينما كانت أمه تركية الأصل، وقد ولد الثعلب في سنة 1879 على الأرجح، حيث ذكر له أكثر من تاريخ للميلاد، وبعد حصوله على الشهادة الإبتدائية ألحقه والده بمدرسة ثانوية عسكرية مجانية ولكنه تركها بعد فترة، وتعرف حافظ على أميرة روسية ونشأت بينهما علاقة غرامية، وأرسلته هذه الأميرة ليدرس بكلية سان سير بفرنسا، ولكنه ترك الدراسة والتحق بقوات الجيش الفرنسي خلال الحرب العالمية الأولى، والتحق بالعمل فى المخابرات الفرنسية، كما التحق لفترة من الوقت بالجيش التركي بالأستانة.
وكان حافظ نجيب عبقريا ويجيد التحدث بالعربية والتركية والإنجليزية والفرنسية، كما أجاد قرض الشعر وتأليف القصص والروايات، حيث عرف واشتهر بأنه شاعر وقاص وروائي وكاتب مسرحي وصحفي ومترجم، ويوجد له العديد من القصائد التي كتبها ونشرها، بالإضافة إلى إصداره عددا من الكتب والقصص والروايات، وكتاب “حافظ نجيب الأديب المحتال” تأليف سيد علي إسماعيل يؤكد أنه قد احترف النصب والاحتيال فترة من حياته، ووظف ذكاءه أحيانا ضد القانون ليحصل على المال، حيث ظل البوليس المصري يطارده أعواما، قبل أن يلقي القبض عليه، وأكد ذلك أيضا الأديب نجيب محفوظ الذي وصفه بقوله: “اللص الشهير والسجين الذي دوخ الشرطة وألف 22 رواية بوليسية”.
وقد وصف حافظ نجيب بأنه اللص الظريف، كما وصف بأنه روبين هود المصري، ووصف بالمغامر المصري، وكان ينافس أرسين لوبين في شهرته، حيث كان يسرق الأمراء والأغنياء ويعطى الفقراء، وكان واسع الحيلة يجيد التنكر والتخفي في العديد من الشخصيات، حتى أنه خلال فترة هروبه من البوليس تخفى مرة في شخصية راهب مسيحي، بل وعاش فترة من حياته داخل دير المحرق بأسيوط، كما أنه حينما سجن قام بدور الواعظ الديني الإسلامي للمسجونين.
أما كشاعر فقد برز حافظ نجيب وإن لم يكن مجيدا مثل العديد من الشعراء المعروفين، ومن أشعاره التي نشرت له قصيدة بعنوان “تحطمت الآمال” ويقول مطلعها:
“تحطمت الآمال وانصرم الحب
وما عاد يشجينى البعاد ولا القرب
وبات ضميري واهن الحول متعبا
فما عاد يحييه الطبيب ولا الطب”
وأيضا قصيدة “إلى الله أشكو” التي يقول مطلعها:
“إلى الله أشكو أم إلى الناس ما جرى
وقد باعني الهم المبرح واشترى
وأصبحت عبدا لا أسام بدرهم
وإن جاءني المبتاع عاب وعثرا”
كما كان حافظ نجيب صحفيا ذا قلم لا يهاب أحدا، حيث كتب يوما في افتتاحية مجلة “الحاوي” مخاطبا الملك فؤاد:
“يا صاحب الجلالة: الشعب في كل مكان عاطفة لا عقل، ومن المستحيل أن تبيد أمة ليحيى فرد، الجميع يا مولاي من شعبك يتضرعون إلى جلالتك بضراعة يطلبون الحرية والمساواة، يطلبون العدل والعدل أساس الملك”، وكان هذا آخر أعداد هذه المجلة، حيث احتجبت بعده مباشرة.
وهكذا عاش الثعلب حافظ نجيب البطل الحقيقي لقصة مسلسل “فارس بلا جواد” حياته بين المغامرة والأدب، وقد دون مذكراته في كتاب تم نشره، ولكنها شملت فقط قصة حياته من يوم مولده حتى سنة 1906، ولم يكتب عن بقية حياته حيث مات في نوفمبر سنة 1946 عن عمر 67 عاما.
*من كتاب “شخصيات مصرية بين التهميش والنجومية” الجزء الأول الصادر عن دار السعيد للنشر والتوزيع.
Discussion about this post