قراءة نقدية لقصيدة “ابحار” للشاعرة الدكتورة الهام عيسى بقلم الناقد والاعلامية الكاتبة جليلة المازني تونس
المقدمة: ان قصيدة “ابحار” للشاعرة الهام عيسى قصيدة محكومة بثنائية قديمة حديثة انها ثنائية الحنين والشوق للأحبة ..هذه الثنائية التي تثير عدة ثنائيات
– ثنائية الماضي والحاضر
– ثنائية المفقود والمنشود
– ثنائية الغياب والحضور
– ثنائية التعب والراحة
– ثنائية الموت والحياة
ان ثنائية الحنين الى ماض مفقود والشوق الى حاضر منشود تحيلنا الى صفتين أساسيتين تلازم الأحبة حين يجتمعون او يفترقون ولكنها تكون بشكل كبير اذا فارق الحبيب حبيبه
في هذا الاطار:- ما مدى حضور هذه الثنائية في شعر الشعراء القدامى والمحدثين؟
– قراءة سيميائية للقصيدة.
أولا :حضور ثنائية الحنين والشوق في شعر القدامى والمحدثين:
*يقول المتنبي:أغالب فيك الشوق والشوق أغلب
وأعجب من ذي الهجر والوصل أعجب
ويقول واصفا التعب الذي ناله من أثر الشوق والحنين:
ما الشوق ممتنعا مني بذي الكمد
حتى أكون بلا قلب ولا كبد
*يقول قيس بن ذريح:وجدت من الشوق الذي بي أنني
أعار جناحي طائر فأطير
فما في نعيم بعد فقدك لذّة
ولا في سرور لست فيه سرور
*يقول نزار قباني وهو يرثي زوجته الحبيبة بلقيس ويصف شوقه وحنينه اليها:
بلقيس يا وجعي
ويا وجع القصيدة حين تلمسها الأنامل
يا غجريتي الشقراء يا امواج دجلة
تلبس في الربيع ساقها أحلى الخلاخل
*يقول محمود البارودي وهو يصف حنينه وعدم قدرته على اخفاء شوقه:
أبى الشوق الا ان يحنّ ضمير/// وكل مشوق بالحنين جدير
ثانيا :قراء سيميائية للقصيدة”ابحار”
استهلت الشاعرة القصيدة بمشهد حكمته ثنائية الارساء والابحار:ارساء مجازي(على ضفاف عينيك ألقيت بمرساتي) وابحار حقيقي(أبحرت سفائني تلوّح بالشراع)
وقد استعملت صيغة الفعل الماضي(القيت/ أبحرت) لتربطه بحنينها لحبيبها فكان ارساؤها حتى يستقر لها المقام مع حبيبها حتى انها جلست لترتشف قهوتها ولتقرا فناجين قلاعها والقلاع هي الحصون التي تحمي أصحابها وبالتالي فان الحبيبة تعتبر حبيبها حصنها الحصين الذي يحميها (جلست ارتشف قهوة الصباح///أطلّ على فناجين قلاعي)
وهنا تناصّ أدبي مع قصيد قارئة الفنجان لنزار قباني حيث يقول:
-الحب عليك هو المكتوب يا ولدي
والحب سيبقى يا ولدي قدر الأقدار
لكن طريقك مسدود مسدود
والشاعرة تجعل الحبيبة ترى قدرحبيبها الخلود لكن الطريق بينهما مسدود فكان الفراق والوداع (وكانت حروف اسمك ترتل ابجدية الخلود/تتموّج حانية/ وتعزف سمفونية الوداع)
هذا الفراق والوداع جعلا الحبيبة تحنّ الى عشقها الازلي وهو يتوازى وسمة الخلود التي رأتها لحبيبها والحبيبة هنا متحررة فهي لا تستحي ان تكون عاشقة لا معشوقة (وكان عشقي الأزلي يدق على ابواب قلبك//يوزع نوتاته دون انقطاع
هذا الحنين حرّك فيها مشاعر الشوق اليه(لمثلك الروح تتعطر/تشرع لك شبابيك الامل/افراسي تركض لاهثة/تسرح احلامي خببا وقواف في بحور عشقك تتوق لابتسامتك…) وقد دعمت الشاعرة مشاعر شوق الحبيبة باستعمال افعال في صيغة المضارع المستمرّلتؤكد على الحاضر وحتى المستقبل(الأمل)
تعود الشاعرة لتذكرنا بابحار الحبيبة لتجعل من هذا الابحارسببا لعثورها على منارة ترشدها الى شاطئ الادمان على عشق الحبيب ولتجعل لهذا الابحار نتيجة في كون الحبيب “طوق النجاة المديد” وتعود لتذكره بخصاله الحميدة مبرّرة في ذلك شوقها اليه(هل تكفيني حروفك../يا من توقظني…/يا انت يا رجائي../متى تعرش فوق افقي بستان أمل…)
واكثر من ذلك فهي تحاول ان تقنعنا بان كل تلك الخصال جعلتها تشتمّ رائحته من بعيد (اني أشتمّ رائحتك من بعيد) وفي هذا الاطار هناك تناصّ ديني في النص القرآني حيث تذكرنا الحبيبة بالنبي يعقوب الذي اشتمّ رائحة يوسف عن بعد وذلك من خلال الآية 94 من سورة يوسف”ولمّا فصلت العير قال أبوهم اني لأجد ريح يوسف لولا ان تفندون”
ان هذا التناصّ يرتقي بعشقها لحبيبها الى مرتبة عشق واشتياق يعقوب ليوسف
والشاعرة هنا تشرّع للحبيبة عشقها و وشوقها لحبيبها.
هذا العشق وهذاالشوق جعلاها تلعب على ثنائية الغياب والحضور واصفة روحها المتعبة مستبدلة الغياب بالحضوروكاني بالشاعرة تعود الى ثنائية الارساء والابحار فتعرض عن الابحار وترجّح الارساء فتحوّل كل متاعب الارساء الى راحة وتحول كل اسباب الموت الى حياة جديدة (يا روحي المتعبة//اشتاق لقياك ان احطّ في فراغ غيابك/ادور ادور في حضورك/اختنق …اختنق../تطوقني حبال مرساتك/)
واذا القفلة المتفائلة (واتنفس نقطة وصولك الدائمة)تفاجئنا عبر الامل الذي انبجس وحوّل الموت الى حياة(اتنفس) بعد ان قالت اختنق/اختنق..
الخاتمة:
ان الشاعرة الهام عيسى بين حنينها الى ماض سعيد وحاضر يعيد اليها سعادتها المفقودة وبين الماضي و الحاضر هي تتطلع الى المستقبل حين يحدوها الامل في وصول حبيبها بصفة دائمة وبالتالي فان الشاعرة قد جمعت كل الازمنة (ماضي/حاضر/مستقبل) وفكّت عقدة كل الثنائيات دعمتها بقفلة متفائلة تريد الحياة
شكرا للشاعرة الدكتورة الهام عيسى على اتاحة فرصة ممتعة لي من خلال هذه القراءة النقدية لقصيدتها”ابحار”
بقلم الناقدة جليلة المازني.
إبحار
ا========== إلهام غانم عيسى======
على ضفاف عينيك
ألقيت بمرساتي.
أبحَرتْ سفائني تلوح بالشراع..
وجلست ارتشف
قهوة الصباح
أطلّ على فناجين قلاعي
وكانت حروف اسمك ترتّلُ
ابجدية الخلود تتموج حانية
وتعزف سمفونية الوداعِ
وكان عشقي الأزلي
يدق على أبواب قلبك
يوزّع نوتاته دون انقطاعِ
لمثلك الروح..
بجميل انفاسك تتعطر..
تشرع لك شبابيك الأملْ
افراسي تركض لاهثة
بمروجك الخضراء
تسرج احلامي خببا وقوافي
في بحور عشقك
نبضات قلبي
تتسارع لاجئة للمنافي
في تيهها تتوق اليك
لابتسامتك المرسومة
على وجهك أمضي
امخر عباب البحر
أعتلي أمواجك العالية
حتى تلوح لي منارة من بعيد
هناك ترشدني
الى شاطىء الإدمان
فانت طوق النجاة المديد
يا نقاء السريره
هل تكفيني حروفك والأبجدية
كي أحلّق بهما إلى روحك العليه
يا من توقظني وشوشاتك
همساتك، ضحكاتك
انت انيس وحدتي العصيه
يا أنت يا رجائي
في لحظة هاربة مني
يا مرتجاي الى عوالمي المنسيه
متى تعرش فوق افقي
بستان امل؟
لأغلق نوافذي عن رحيلك المفاجئ
يا من تلتف حولي أغصانك
اني اشتم رائحتك من بعيد
أقلب أشياءك فيّ بين الشواطئ
يا روحي المتعبه
أشتاق لقياك
ان أحط في فراغ غيابك..
أدور… أدور في حضورك
اختنق… اختنق…
تطوّقني حبال مرساتك..
واتنفس نقطة وصولك الدائمه..
Discussion about this post