د/آمال بوحرب
يقول “إرنست همنغواي “” يحتاج الإنسان إلى سنتين ليتعلمَ الكلامَ و خمسين سنةً ليتعلمَ الصَّمت “وأرى الجدلية بين هذه المفاهيم الثلاثة التعلم و الكلام و الصمت وإن كان التعلم هو الواسطة الرابطة بين الكلام والصمت جدلية قائمة بحد ذاتها بين جهتين الاولى من خلال المفاهيم المختلفة والمتضاربة احيانا في واقع متناقض من الافكار والايديولوجيات والتربية من جهة ثانية والالقاء لمجموعة من التفاسير اعتمادا على يستنزف الجنس البشري نفسه بالضوضاء ويتلهف على نقيضها، سواء في البراري أو المحيطات أو زاوية مخصصة للسكون وإمعان التفكير بهدوء .
وإن كان دوركهايم يرفض في كتابه “الأشكال الأولية ” أن نفسر نشأة المعرفة بعلاقة بين الفرد والواقع المادي ويرى أن المعرفة ظاهرة اجتماعية والكائنات البشرية تعيش في مجتمعات ولديها ما يساعدها على استشعار مشاعرها ومن هنا نتحدث عن المشاعر التي نغفل عنها في الشرح ونعتبر أن الانسان مقياسا لاوضاع مختلفة منها الصمت والتردد والكلام والتعبير بصفة عامة ونعود الى اشكالية تعريف الصمت
فهل الصمت هو ذلك التّجهُّم المطابق للسكوت
أم الصمت هو صمت التجاهل؟
أم يقصد به الترفع عن السفاسف
أم الصمتُ هو ذلك التحديق الطويل و التدقيق و التمحيص بل القراءة المُتأنية لكل ما يُشاهَد و يُسمع كل ما يَشُدُّ التفكيرَ و التحليل!
أم الصمت هو ذلك التجاهل الظاهري الذي يُعتبَرُ إهمالا في حين أنه رزانة و أنه زيادة معرفة و إدراك؟
أم الصمت هو ذلك العمُر المعرفي المتراكم من التجارب السابقة و الملاحظات و تداخل العلوم النظرية و التطبيقية؟
أم الصمت هو ذلك الوقوف بعيدا عن طريق العاصفة و العاطفة و الشعبوية و الغوغائية و السذاجة؟
أم الصمت هو ذلك الرد الهادئ على ما لا يَستحق الردَّ و لا يَستحق الوقت و لا يَليق بالحروف و الكلمات؟
ام الصمت هو السكوت الذي يأخذ روافده من الخوف و الخنوع و الخضوع، فكل ذلك لا يستحِقُّ تسمية الصمت الفاضلة؟
يكتب البروفيسور آلان كوربان أستاذ التاريخ في جامعة السوربون وايرلنغ كاغي المستكشف النروجي من مذكراته عن القطب الجنوبي حيث حاول الاثنان أن يهربا من الضوضاء فيقول كوربان في كتابه “تاريخ للصمت” فإن الضوضاء كانت دائمًا موجودة وربما أكثر من اليوم لكن ما تغير ليس مستواها الذي كان مبعث شكوى خلال القرون الماضية كذلك وإنما مستوى الإلهاء عن التركيز الذي صادر فضاء الصمت. “
فالصمت اذا ليس غياب الضوضاء فحسب بل شيء قائم بذاته وكما كتب الشاعر النمساوي ريلكه “فالصمت قد يكون الوسط الذي من خلاله ندخل واقع الأشياء”وأفضل أشكال استحضار الصمت في الأدب هي تلك التي لا تُلفظ الكلمة فيها أبدًا كتوصيفات ريكله لبتلات الورد على الجفون أو الجملة التي يختتم بها جيمس جويس كتاب “أهل دبلن”.
وإن كان تعريف المعرفة بنظر أفلاطون وأرسطو تكمن حيث تتوفى الكلمات فقد لا تبدو ملاحقة الصمت بشِباك الكلمات مجدية لكن تبقى للصمت وظيفة علاجية في عصرنا حيث يبدو جزءًا من الراحة التي توفرها الأشياء البدائية أو الأزلية وهذا صمت مغاير فهو هو حصيلة الحكمة و الإدراك فهو يحتاج الى معرفة الكلام نطقا و تدبرا و تجاوز تلك المرحلة إلى آخر المراحل حين يتِمُّ وزن الكلام و تصوُّرُ نتائجه إيجابية كانت أم سلبية.
ولقد أشار هيجل في كتابه”فينومينولوجيا الروح”للصورة التي وضعها للاسرة في الدولة والمجتمع المدني والذي يراها تنضج عبر الأزمات المتنوعة الفكرية والوجودية والاجتماعية وهذا ما يجعلنا نرى” إنّ في المحادثة تلقيحًا للعقول وترويحًا للقلب وتسريحًا للهم وتنقيحا الادب ”
كما قال التوحيدي فهل يجدي الصمت في هذا التقليد الفكري المعاصر ؟وهل يجوز الاعتبار أن الصمت بمفهومه المعرفي او الادراكي تجاهلا لمرحلة من مراحل التفكير الانساني المؤلم .
د/آمال بوحرب
تونس
Discussion about this post