قلبي رسالة
أُرسل فيها سلامي لبيت العائلة
وأقبّل هامته الشّامخة
فكم أرسلت قبله من رسائل
تجهش بالانتظار في صندوق بريده المنسيّ
لكنّها لم تصل…
سيصل إليه بحبر الوتين ذارف الأسف نازف الأسى
لأنّنا انصرفنا عنه، تباعا، من أجل اللّاشئ،
تركناه وحده عالقا تحت ظلال الأسئلة،
هجرناه كمكافأة نهاية الخدمة
في ذروة عطائه
يجلس القرفصاء على سدّة النّسيان
ليُشرف، بنفسه، على تغسيل الفراغ.
لسقفه وأرضه وشرفاته المحتضنة النّسيم
ولبابه الشّاسع الابتسامة
سلاما…
وبعد،
عشقته منذ كان يداعبني وقت انشغال أمّي المضني
فلا يلوم خربشاتي لطلاء حيطانه
ولا يفضح اللّبنة المخلوعة من ثباتها
التي أخبّئ وراءها ما أسرقه من أغراض إخوتي.
مازلت أحنّ إلى
نول سجّاد خالتي الذي لم يسلم من بطش مقصي
وإلى وقت ممارسة هواية التّطريز
حين كنت المخرّب المجهول لبكرات الخيط الملوّن…
فانوسي الرّمضانيّ المنتقى دون باقي الفوانيس
هل مازال يلزم مكانه الخاصّ به
أم أصابه الظّلام ففرّ هاربا بعد أن افترقنا؟
هل تذكر يا بيتنا القديم؟
لقد كنتُ أوّل من يأكل الكعك في الأعياد
وأوّل من يضيء شموع سبوع الميلاد
ومن يسكب العسل فوق ما تحتاج الفطائر
فينال سوء العقاب…
ضحكتي التي تعلو الضحكات
فيصيح أخي الغيور، من الخارج
قائلا: سوف آتي لأقصف رقبتك.
سلاما لسطوحك التي كانت تشاركنا الطّعام والرّكض
وأحيانا النوم !
يستحضرني ذلك الزّير الذي يحمل
على رأسه
كوب الماء لسقاية العابرين أمام البيت؛
أخاله اليوم قد أصابه العطش!
لا أظن تكعيبية العنب مازالت على قيد الحياة إلى الان؛
أو، ربّما، سخّر لها الله ملاكا يرعاها…
من مازال يستجدي طرمبة الماء الغزير
لتغمر حوض الحوش الفسيح الأرجاء؟
ترى هل مات الجرو المشاكس “عنتر”
أم مازال حيّا يرزق؟
حتما، انتهز الغبار غيابنا وأزعج الأسرّة النّاصعة الهدوء
فأزعجها بشخيره حدّ إصابتها بالأرق !
“مشمشة” قطتي “السيامي”
أمازالت تموء عندما تسمع اسمي أم خرجت للبحث عنّي؟
هل مازالوا هنا:
ركن الأهل وصخب المندرة،
ضحك القلل لمواراة الخجل عندما تحسب الاحتساء منها تقبيلا،
قصعة الحطب في ليالي الشّتاء
التي تقوم بدور المدفئة
وبدور الموقد لطهو الشاي والقهوة واكواز الذرة
وبعد ليلة صاخبة يغمض الحطب عينه
فنستعير لون رماده كي نصبغ وجوهنا كأشباح أحلام محتملة
وفي اليوم التالي
يجتمع الأهل بالجيران على أحاديث المدينة
ثمّ ينصرفون آخر السهرة
بعد أن أكلوا الحلوى والتّسالي…
أيّها البيت
لو أنت تسمعني
كما السابق
مازال مفتاحك تحت وسادة أبي
فخذه
وغادر إن شئت
للتّنزه
أو للمجيء، يوما، لزيارتنا…
الرّاديو الذي كنت تفتحُه، يوميّا، على إذاعة القرآن
تركته لك خلف التّلفاز كي يُنسى
فتُؤنس به وحدتك
وفي المطبخ، خزين وفير
وكلّ ما لذّ وطاب ملك يدك…
أمّا أنا
فأشتاق جدّا لرؤية كلّ شيء عندك
والوحيد الذي أستحي من رؤيته
لتقصيري في دفع أجرته
عندما كنت أسير دون نقود
فأَدْرَكَ كعب حذائي الكسر؛ فجبره !
نعم؛
إنّه الإسكافي الذي على قارعة الطريق .
Discussion about this post