كتب/خطاب معوض خطاب
الست أم أنجلو عاشقة مصر والمصريين
إيفيلين بوريه السويسرية.. الزوجة الأولى للشاعر سيد حجاب
السويسرية إيفيلين بوريه المعروفة باسم الست أم أنجلو والتي يطلق اسمها على أحد شوارع قرية تونس بمحافظة الفيوم حكايتها حكاية، فرغم كونها ليست مصرية الأصل إلا أنها قد أحبت مصر والمصريين وأثبتت حبها عمليا وليس قولا مثلما يفعل الكثيرون، وهي خريجة فنون تطبيقية وتهوى صناعة الخزف وفي سنة 1964 سافرت إلى مصر بصحبة والدها الذي كان يعمل بمصر في ذلك الوقت وكان عمرها 28 عاما، وبعد فترة تعرفت إيفيلين على الشاعر الراحل سيد حجاب ونشأت بينهما قصة حب كللت بالزواج في سنة 1965.
وحينما سمعت إيفيلين عن جمال الفيوم طلبت من زوجها سيد حجاب أن يأخذها في رحلة إلى هناك حيث الجمال البكر والطبيعة الخلابة، وافتتنت إيفيلين بالفيوم وتحديدا بقرية صغيرة اسمها قرية تونس فطلبت من زوجها أن يقيما بها، وكانت بيوت القرية في ذلك الوقت لا يصل عددها إلى عشرين بيتا ويعيش أهلها عيشة بدائية حيث لا كهرباء ولا ماء ويستعملون الشموع ولمبات الجاز ويشربون من طلمبة مياه.
وبعد خمس سنوات من زواجهما وقع الطلاق بين إيفيلين والشاعر سيد حجاب فعادت إلى بلدها، وهناك تزوجت وعاشت مع زوجها السويسري سنوات ولكنها كانت قد تركت قلبها في مصر وتحديدا في قرية تونس بالفيوم، ولهذا فقد عادت إلى حيث تركت قلبها، عادت وبصحبتها زوجها حيث اشترت بيتا بقرية تونس واستقر بهما المقام هناك، نعم تركت إيفيلين سويسرا وأوروبا كلها وجاءت إلى قرية تونس في أواخر سبعينيات القرن العشرين وعاشت العيشة البدائية التي ملكت عليها جميع حواسها، عاشت وسط الفلاحين ولبست الجلابية المصرية مثلها في ذلك مثل أي فلاحة مصرية ومارست عملها في القرية حيث أنشأت ورشة صغيرة لأعمال الخزف.
وفي أحد الأيام وبينما هي تسير في طرقات قرية تونس شاهدت إيفيلين أطفالا يلعبون في الطين ويصنعون ألعابا من طمي النيل، حيوانات وطيور وألعاب مختلفة، وبنظرة الفنانة وجدت فيهم نواة لفنانين فتواصلت مع أهاليهم وطلبت منهم السماح لها بتعليم هؤلاء الأطفال الموهوبين كيفية صناعة الخزف والفخار بطريقة علمية، وبعد تردد وافق الأهالي وهكذا بدأت إيفيلين تعليم أبناء قؤية تونس في ورشتها، ومع الوقت كبرت الورشة وأصبحت مدرسة معتمدة لتعليم صناعة الخزف والفخار، وكبر الأطفال وأصبحوا فنانين، وأقامت لهم معارض واصطحبتهم إلى معارض في سويسرا وفرنسا وغيرها من البلدان الأوروبية، وأصبح أطفال قرية تونس بالفيوم معروفون في العالم كله كفانين في صناعة الخزف والفخار.
وأصبحت قرية تونس محط أنظار العالم كله، وأتت الوفود من جميع أنحاء العالم ليشاهدوا فناني تونس الذين علمتهم إيفيلين، فكانوا سببا في وضع قرية تونس على خريطة السياحة العالمية، فأتاها السياح من كل مكان ليزوروها ويشاهدوا الفنانين العالميين من أبنائها، بل واستقر الكثيرون في قرية تونس التي أصبحت قبلة لمحبي الفن الرفيع.
وكبر الفنانون الصغار وأصبحوا فنانين كبارا يشار لهم بالبنان، وأصبح لدى كل واحد منهم ورشة لصناعة الخزف، وبدأ كل منهم في تعليم أطفال صغار، ليعيدوا تجربة إيفيلين مرة أخرى، وكان كل هذا تحت إشرافها وبدعم منها.
استقرت إيفيلين في مصر بعدما أحبت مصر وعشقتها وذابت في كيانها، عاشت عيشة المصريين تتكلم بلسانهم وترتدي ملابسهم، وأنجبت أنجلو وماريا وأصبح نساء قرية تونس ينادونها قائلين لها: “يا أم أنجلو”، وهكذا حققت إيفيلين كل أحلامها إلا حلما واحدا فقط لم تستطع تحقيقه، حيث كانت تأمل أن تحصل على الجنسية المصرية وتقول إن من المصريين من يتركونها ويسافرون للعمل والاستقرار بالخارج ورغم ذلك ظلوا مصريين، بينما تركت أنا بلدي واستقررت بمصر فأنا أولى بأن أكون مصرية، أنا مصرية أكثر من هؤلاء فأنا ليس لي بلد ولا وطن سوى مصر.
وفي أوائل شهر يونيو سنة 2021 ماتت إيفيلين، نعم هي لم تستطع أن تأخذ الجنسية المصرية ولكن في النهاية مصر هي التي أخذت إيفيلين واحتضنتها تحت ترابها حيث دفنت إيفيلين في قرية تونس وسط أهلها الطيبين الذين عاشت بينهم كواحدة منهم وعلمت أولادهم وجعلتهم فنانين وصناعا مهرة معروفين في العالم كله، وهكذا ماتت أم أنجلو عاشقة مصر وتركت زوجها وابنها وابنتها مقيمين بمصر، بعد أن عاشت معهم سنوات في مصر وفي النهاية احتواها تراب مصر، وبعدما أثبتت أن الجنسية والانتماء الحقيقي ما هو إلا حب وعمل من أجل رفعة الوطن وليس مجرد ورقة تثبت هذا الانتماء.
وإنني من هنا أدعو السادة المسئولين في وزارتي الثقافة والسياحة إلى إنتاج فيلم سينمائي أو وثائقي أو مسليل تليفزيوني عن حياة أم أنجلو في قرية تونس بالفيوم وتوزيعه في جميع أنحاء العالم، وأنا على يقين وثقة تامة بأن عملا فنيا كهذا سوف يكون خير سفير لبلادنا وسوف يجذب السياح من كل مكان لمشاهدة البلد الذي اختارته أم أنجلو للإقامة فيه وفضلته عن الأقامة في بلدها سويسرا.
Discussion about this post