يوميات فى الحرم (١٠)
نظام الصينيين فى ليلة بلا نظام
بقلم الكاتب الصحفي … سعيد الخولى
الواحدة صباح يوم عيد الأضحى.. فى مزدلفة وبعد جمع حصوات رجم إبليس استعدت الجموع الحاشدة للعودة إلى مخيماتها بمنى استعدادا لأول أيام العيد ورجم إبليس، الجو ليلا يتخذ بعضا من الطراوة التى تغيب طوال النهار وأغلب ساعات الليل، الحجيج بلباس الإحرام بين تلبية وذكر، مجاميع الحجيج تنوعت بين أبناء كل بلد من الوافدين أو من الداخل السعودى، وبرزت تجمعات شرق آسيا بتنظيمها وانضوائها تحت قيادة أحدهم وفى ترديدها الجماعى للأدعية والصلوات المجمعة،وكل من تلك المجموعات تتبع مطوفا مختلفا أو حتى نفس المطوف . الأنظار تشرئب من هنا وهناك ناظرة إلى حيث تأتى الحافلات كى تركب عائدة لمخيماتها لتنال قسطا من الراحة قبل فجر العيد وبعد يوم طويل بدأ منذ ماقبل الفجر وهاهو الفجر التالى لم يتبق عليه سوى سويعات قليلة..
كنا نتبع مطوفا من سوء حظنا ينضوى تحت لواء مسئوليته حجيج من شتى بقاع الوطن العربى يمثلون جامعة عربية مصغرة فى الحج، نعم كان من حسن حظنا اتفاق ألسنتنا لكن على الجانب الآخر كان اختلاف مشاربنا وطباعنا سمتا مثيرا للحزن فى هذا المحفل الذى يتوحد فيه الجميع.
وفى الجوار منا كان حجيج صينيون يتبعون مطوفا آخر وينتظرون حافلتهم لتعيدهم للمخيمات، وطال بنا الانتظار بينما الصينيون تأتيهم حافلاتهم تترى واحدة اثر أخرى، وبينما كنا نقف لانكاد نجد أرضا للجلوس، كانوا يصطفون صفوفا ثنائية تمصى بتؤدة وانتظام نحو مقاعدهم، ولاح من بعيد أتوبيس يخصنا فتحولت الارض تحت أرجلنا إلى صراع بالأقدام وفى أوساطنا تدافع بالخصور وبأيدينا دفاع ضد الوقوع، وأغلبنا يناهز الستين أو يتخطاها بكثير وبعضنا يمسك زوجته بيده ويتحمل الدفاع عن نفسه وعن زوجته ضد الوقوع!!
نعم هكذا كان المشهد يلخص واقعا عربيا أليما.. المطوف فقد الشعور بمعاناة حجيجه والحجيج من شتى بلاد العروبة كما بلدانهم وقادتهم وأوضاعهم يتنازعون الفوز والهدف الوصول لمقعد فى الحافلة، اختلط المصرى باليمنى بالتونسى بالجزائرى بالمغربى بالليبى وبدا من كل منهم أسوأ مافيه لايعرف نظاما ولايجد من مطوفه المسئول عنه اهتماما ولا يؤثر سلامة، بأسهم بينهم شديد فى ليلة مباركة قل فيها الصابرون وضاعت أصوات المنادين بالنظام وللحق كانت أصواتا من المصريين،، وهيهات من يسمع ناهيك عمن يبدأ بنفسه، ولتزداد الطامة بانقطاع مفاجئ للكهرباء قبل أن تظهر موضة تخفيف الأحمال، ويبدو أنها كانت حيلة بنكهة سياسية لفض هذا المولد المحزن، لكنه آثر أن يأخذ وقته لساعة وبعض ساعة تتابع العيون فيها مشهدين متوازيين: معسكر للصينيين تنتظم خطوات مغادريه اثنين اثنين وتتراتب حافلاته وصولا وانصرافا، ومعسكر لمن اتفقوا طوال تاريخهم إلا قليلا على ألا يتفقوا وزاد الطين بلة نكوص حافلاتهم وبرود مطوفهم، فقلت فى نفسى إن هى إلا دنيانا كما نحياها وواقع كل منا كما نشهده، والنتيجة المنطقية لترتيب كل منا فى عالم اليوم الصين بمئات ملايينها العديدة تنظم صفوفها وتركب عربات التقدم والعرب بأقل من خمس سكان الصين يتنازعون مقعدا فى حافلات متباطئة يرسل بها إليهم مطوف قليل النخوة بليد الشعور بمسئوليته تجاههم، فهل تجنيت عليهم وقد كنت وسط المعمعة ونالنى منها مانالنى وزوجتى وهالنى من المشهد ماهالنى ونحن نلفت نظر بعضنا البعض لحجاج الصين كى نقلد نظامهم وهدوءهم فلا يجد لفت نظرنا جدوى لدى المتناحرين؟
وتساءلت بينى وبين نفسى: ماذا لو قاد نظام الصينيين فوضانا نحن العرب.. هل نحن بلاحقيهم أم سنصيب حافلتهم وقاطرتهم بالعطل والتأخر؟
Discussion about this post