بقلم الكاتب الصحفي
محمد عبد العزيز
(الجدة).. من مجموعتي القصصية (فيض الغمام)
يجلس شاردا على يمين صديقه الذى يقود السيارة الرياضية الحديثة بسرعة جنونيه، وصلوا والجنازة على باب المقبرة.. الدموع تملأ عينيه، لا يرى شيئا سوى وجه جدته.. عشرات العيون تطلعت اليه وعشرات الأيادي امتدت لتواسيه لم ير منهم وجها ولم يشعر بيد أحدهم من فرط حزنه ودموعه ، حمل جدته وهو يبكى .. علا نحيبه وعشرات الأيادي تهدهد على كتفه وهو غارق فى أحزانه لا يرى إلا وجه جدته المشرق يبتسم اليه وهو يندفع اليها ملقيا نفسه في حضنها قائلا:
أنا جيت يا جدة ويقبل رأسها ويديها فتجيبه: انت جيت يا موكوس يا ابن الموكوس. الكورة لحست عقلك وفسدت غزلك وضيعت مستقبلك.. ياما كان نفسي اشوفك موظف محترم قد الدنيا زي عبد الصمد افندي، لكن طول عمرك مفسود وسبت الدبلوم . قطيعة تقطع الكورة وسنينها. كلت عقلك وفسدت حالك.
فيضحك من قلبه حتى تنزل دموعه ويلقى برأسه على حجرها.
موكب الجنازة يصل لباب القبر المفتوح . وضع الرجال نعش الجدة على الأرض.
يرفع رأسه من حجرها ناظرا لعينيها الوديعتين الساحرتين ويقول: حزري فزري يا جدتي أنا جايبلك ايه من مصر .
جبت ايه يا موكوس يا خايب يا ابن الخايب. ينادي أحدهم على رجلين داخل القبر: جاهزين، فيأتيه الجواب بنعم.. الفاتحة للنبي يا جماعة ويرفع الغطاء عن الجدة المكفنه بكفن من الحرير الطبيعي كان قد اشتراه لها قبل شهر يرفع رأس جدته ويحملها واخوته وبنو عمومته إلى باب القبر فيتلقفها رجلان على الباب ويسلماها لمن بداخل القبر، يجلس باكيا أمام باب القبر وعيناه على جدته بالداخل بينما كان غارقا بعقله وبكل كيانه في الماضي.. قولي يا جدتي ايه الحاجة اللي طول عمرك بتتمنيها وبتدعي ربنا وانت بتصلي علشان ينولهالك ؟ تشهق غير مصدقه: وتنزل دموعها فتبلل رأسه ووجهه الملقى في حجرها — نعم ياجدتى جبتلك تأشيرة الحج وأدى التذكرة يا جميل وهتنزلى في افخم فندق في مكة. تنهمر دموعها ويعلو صوتها بالبكاء فرحا وسعادة: طول عمرك حنين يا منيل، لكن يا خسارة.. الحلو ما يكملش.. الكورة لحست عقلك وفسدت غزلك وسبت دبلوم التجارة — كان زمانك موظف قد الدنيا زي عبد الصمد افندي .. حجت ثلاث حجات واعتمرت خمس عمرات وفى كل مرة عندما يأتي ليبشرها تبكي وتوبخه على تركه المدرسة وضياع حلمها في أن يكون كعبد الصمد افندي.
انتهى مَنْ بداخل القبر من عملهم وخرجوا وشرعوا في إغلاق القبر على الجدة.
قلبه ينفطر حزنا ودموعه تتدفق كشلال لا ينقطع وقف يتلقى العزاء في محبوبته، طابور طويل من المشيعين مر عليه لم يتبين ملامح أحدهم من فرط حزنه ودموعه ولما انتهى المشيعون وانصرفوا تقدم باتجاه شيخ مسن كان لا يزال يقف متكئا على عصاته عند قبر الجدة يدع لها بالرحمة والمغفرة فسلم عليه واحتضنه وقبل رأسه ثم همس في أذنه قائلا: إن شاء الله وبداية من اليوم سيتضاعف المبلغ الذى يصلك كل شهر.. لا تنس الجدة من خالص دعائك واجعل لها نصيبا عقب كل صلاة فالجدة رحمها الله كانت دائما تذكرك بالخير، فعلا صوت عبد الصمد افندي بالبكاء والنحيب
Discussion about this post