بقلم دكتور .. عاطف معتمد
أخذت الصورة المرفقة لصديقنا الحمار قبل عدة سنوات من أسوان، عند بلدة بهية جميلة تسمى “بهريف” حين كنت أقوم بتجوال مكثف في بلاد النوبة برفقة حسين الجعفري، وهو من أبناء المنطقة.
استأجرت سياررة حسين واستعرت خبراته ومعلوماته ودعاني في بيته للغداء مرتين على طعام مدهش من يد أمه الكريمة، وبالتالي لا عجب أن جمعتنا الصداقة إلى اليوم.
أخبرني حسين أن “بهريف” كلمة مؤلفة من مقطعين “بهاء” و “الريف”.
لا يوجد أي سند يؤكد كلام حسين في أي مرجع جغرافي، لكن واقع الجمال والبهاء والحسن والخضرة وزقزقة العصافير في “بهريف” في أسوان لا تحتاج إلى كتاب في الجغرافيا لتكتسب شرعية المعنى.
استعدت الصورة من مستودع الذكريات هذا الصباح بعد أن أمضيت ساعتين ليلة أمس وساعتين فجر اليوم مع كتاب لتوفيق الحكيم يحمل عنوان “حماري قال لي”.
كتاب الحكيم الرشيق لا يتجاوز 150 صفحة وقد صدر في عام 1945 من تجميع عدة مقالات خطها كاتبنا الكبير في شكل حوارات جمعت بينه وبين صديقه الحمار.
كتاب الحكيم بالغ الذكاء، يبدو هدفه الظاهري الإمتاع والمؤانسة، والتسلية الرقيقة الساخرة. بين صفحات الكتاب تتنزل عليك الابتسامات الرقيقة 4 أو 5 مرات، وستضحك بصوت مجلجل مرة على الأقل (كما حدث لي في عتمة فجر اليوم).
لكن حقيقة المحتوى أكبر من مجرد الإمتاع والمؤنسة والتسلية الساخرة. فالكتاب يضم آراء الحكيم في كل من السياسة والمرأة والحرب والسلام وهوية الإنسان في العصر الحديث (منتصف القرن العشرين).
تبدو موضوعات الحكيم اليوم متقادمة بعد مرور ستة عقود، لكنها في الحقيقة مستدامة في الدلالة والإفادة.
خذ مثلا ما يقوله الحمار للحكيم في وصفه لجمهور السياسة في مصر الذين ينطبق عليهم المثل الشعبي “اللي يتجوز أمي أقول له يا عمي”.فالناس يتقلبون من حكومة إلى أخرى ويتوددون إلى الحكومة الجديدة كما يتودد الساذج البسيط الذي يخاطب بلقب “عمي” كل من يتزوج أمه !
في هذا الكتاب لا يخفي الحكيم موقفه السلبي من المرأة كاشفا بوضوح أن المرأة لا تريد “المساواة” مع الرجل بل تريد “السيادة” عليه.
أهم ما في حوارات الحكيم مع الحمار تفكيك المزاعم التي يسوقها الإنسان عن العقل والتدبر والحكمة بينما كل ما يفعله الإنسان هو تدمير الإنسانية بحروب ودماء بسبب قادة وزعماء على شاكلة هتلر وموسوليني.
حوار الحكيم مع الحمار بالغ الإفادة، ولو لم يكن هناك إفادة فيكفي أن حمار الحكيم “يترفع عن اللغو ويتعفف عن الخوض في بحر السخف الإنساني”.
Discussion about this post