“الله حي عباس جاي.. ضرب البمبة في راس العمدة وهو جاي”
حكاية عباس حلمي الثاني.. الخديو الأخير لمصر
كتب … خطاب معوض خطاب
جملة “الله حي عباس جاي.. ضرب البمبة في راس العمدة وهو جاي” تعد واحدة من العبارات والجمل المأثورة التي تنتشر على ألسنة الكثيرين في مصر، والتي ربما يقولها ويرددها البعض وهم لا يعرفون أصلها ومعناها، وبداية نوضح أن عباس المقصود هنا هو الخديوي عباس حلمي الثاني بن الخديوي محمد توفيق بن الخديوي إسماعيل بن الوالي إبراهيم باشا بن محمد علي باشا مؤسس الأسرة العلوية التي حكمت مصر ما يقرب من 150 سنة، وهو سابع حكام الأسرة العلوية حيث تولى حكم مصر وعمره 18 عاما، وذلك بعد وفاة والده الخديوي محمد توفيق باشا، واستمرت فترة حكمه لمصر خلال الفترة من يوم 8 يناير 1892 إلى أن عزله الإنجليز في يوم 19 ديسمبر 1914، فكان بذلك هو الخديوي الأخير لمصر.
وعباس حلمي الثاني الذي ولد في مثل هذا اليوم منذ 149 عاما، وتحديدا في يوم 14 يوليو سنة 1874 كان أكبر إخوته سنا، وفي بداية توليه حكم مصر انتهج سياسة إصلاحية، حيث تقرب من الشعب وقاوم الاحتلال الإنجليزي وقام بدعم الزعيم الوطني مصطفى كامل في نضاله ومناداته بإجلاء المحتلين، وقد انتهز الإنجليز فرصة وجود الخديوي عباس خارج البلاد بالإضافة إلى بوادر نشوب الحرب العالمية الأولى، وقاموا بخلعه من منصبه كحاكم لمصر، وقاموا بتنصيب عمه حسين كامل سلطانا على البلاد رسميا. والجدير بالذكر أنه يوجد بالقاهرة كوبري أطلق عليه اسمه، وهو كوبري عباس الذي يربط بين جزيرة منيل الروضة ومدينة الجيزة، كما سميت الحلمية الجديدة باسمه ، تحدى الخديوي عباس حلمى الثاني قبل عزله كثيرا سلطات الاحتلال ممثلة في اللورد كرومر المندوب السامي البريطاني أو كما كان يطلق عليه المعتمد البريطاني.
وبعد عزله ومنعه من دخول مصر كان الشعب المصري في مظاهراته ضد الاحتلال الإنجليزي يهتف باسم عباس نكاية في الإنجليز، وكثيرا ما كان يخرج المتظاهرون ويهتفون: “الله حي عباس جاي”، وهذا الهتاف كان يستخدمه الصوفية في الموالد والاحتفالات الدينية أيضا نكاية في الإنجليز، كما حوله الأطفال في الشوارع إلى أغنية يتغنون بها فكانوا يقولون: الله حي عباس جاي ضرب البمبة في راس العمدة وهو جاي والعمدة المقصود في الأغنية هو المعتمد البريطاني، الذي كان يمثل سلطة الاحتلال الإنجليزي في مصر، وكلمة “راس العمدة” لم تكن موجودة في أصل الأغنية، ولكنني استخدمتها بدلا من الكلمة الأصلية التي حذفتها لأنها كلمة خارجة.
ولقد عاش الخديوي المعزول عباس حلمي الثاني في منفاه بتركيا بعد عزله يمني نفسه بالعودة إلى حكم مصر مرة أخرى، لكن ومع مرور الزمن بدأ المد الوطني يزيد، وبدأت تتغير معه الهتافات في المظاهرات، حيث أصبحت الهتافات تدوي باستقلال مصر وحريتها، بعدما كانت تنادى بخروج الإنجليز والعودة إلى التبعية للحكم العثماني، فمع ظهور سعد زغلول ورفاقه بدأع الناس ينسون الخديوي عباس حلمي الثاني الذي لم يبق عالقا منه في ذاكرة الناس سوى كلمة “الله حي عباس جاي”، وإن كان البعض يقولونها الآن ولا يعرفون أصلها.
والحقيقة أن الكثيرين قد أحبوا الخديوي عباس حلمي الثاني وبالغوا في حبه، حتى أنه يعد واحدا من بناة مصر الحديثة في نظرهم، نظرا لإنجازاته المعمارية حيث أكمل بناء مصر الخديوية (عمارات منطقة وسط البلد)، التي بدأها جده إسماعيل، وافتتحت العديد من المشاريع والمنشآت في عهده، وفي نفس الوقت فقد انتقده الكثيرون بسبب موقفه السلبي وقت مذبحة دنشواي، وأيضا لأنه بعد أن كان يطالب بحقه في حكم مصر عقد في النهاية صفقة مع عمه الملك فؤاد تنازل بموجبها عن مطالبته بحكم مصر مقابل آلاف الجنيهات حسب العديد من المصادر.
وهكذا عاش الخديوي عباس حلمي الثاني حياته بين محبة المحبين وانتقاد المنتقدين حتى وفاته في يوم 19 ديسمبر سنة 1944، والغريب أن ذلك اليوم كان يوافق الذكرى الثلاثين لعزله من حكم مصر.
#إعادة_نشر
Discussion about this post