بقلم الكاتب الصحفي
سعيد الخولى
ونحن نسدد قيمة الرحلة بعد الحصول على التأشيرة بالقاهرة تجسدت أمامنا معالم الصراع الشديد على كعكة هذه الفريضة الغالية بين شركات الطيران،صراع يدار من هناك ويتجسد هنا، ولم نكن نعلم أننا سندفع بعضا من ثمن هذا الصراع غاليا، لكننا كنا جميعا مستعدين لبذل كل مافى وسعنا لنحظى برحلة العمر.
الواحدة والنصف صباح السبت 24يونيو، وموعد طائرتنا الرابعة فجرا وكل منا يدفع عربة حقائبه فى اتجاه بدء إنهاء اجراءاته للذهاب إلى الطائرة مابين فرحة وسعادة وترقب وفضول وخوف من المجهول الذى مالبث أن كشر عن أنيابه بقسوة مهددا بقضم ٱمالنا وهضم سعادتنا، أكثر من عشرة حجيج واقفين بباب السماح بوزن الحقائب بنفس الظروف، ومع تسليم أولنا لجواز سفره وتذكرته كانت الصاعقة التى نزلت علينا لتصيبنا باللجم فضلا عن الصدمة، قال الرجل بباب الدخول: غير مسموح لكم بالسفر للحج من خلال هذه الشركة!
جملةصعقت فرحة على الوجوه ولم يكن لها من رد فعل سوى أن تفغر أفواهنا جميعا ولا كلمة نرددها جميعا سوى: ازاى؟
هكذا وجدنا أنفسنا وأحلامنا ضحية للصراع كما يجد مهدد بالغرق نفسه فى محيط بين حيتان وقروش صغيرة، الشركة الكبرى المحتكرة للنقل تسمح للبعض غيرها ولاتسمح للبعض الآخر بمشاركتها غنيمة نقل عشرات بل مئات الآلاف من الحجاج إلى هناك، البيزنس القاسى وأصحاب الشركات كل حسب قربه وقوة شوكته وقدرته على انتزاع حصة من هذه الآلاف من المحتكر الناقل، حصص من الباطن لم يكن من نصيب الشركة التى حجزنا من خلالها حصة منها بقرار من موزعى الحصص.
وهكذا باتت التذاكر بين أيدينا أوراقا لاتصلح حتى لركوب تكتوك ، ولم تكن الصدمة طبعا فى خسارة مادية بل كانت فى ضيق الوقت ولم يتبق من الأمل سوى المرور من خلال ثقب أضيق من ثقب الإبرة، وتواصل بعض مسئولى المطار فى محاولة لإنقاذ الموقف وجاء الرد بالرفض، وحاولت الشركة نفسها إنقاذ الموقف من خلال التواصل مع مندوبها، دون جدوى أيضا ولم يكن هناك من حل سوى بالحجز من جديد على شركة أخرى ـ لعلها المحتكر ـ كان على رحلتها الأخيرة أماكن خالية، لكنها كانت فى مطار آخر وصالة تبعد عن مكاننا بعدة كيلو مترات وكان مودعونا وسياراتهم قد تركونا منذ قرابة ساعتين، وهكذا كنا على موعد معضلة أخرى هى انتقالنا بحقائبنا وزوجاتنا إلى المطار الآخر للحاق بالأمل الأخير، وتجسدت روح التعاون ممن كان فى إمكانهم استدعاء بعض ذويهم للحضور بسيارة وبنقود أيضا لإنقاذ الموقف ومواجهة دفع ثمن تذاكر جديدة تحت الضغط، وانحشرنا كما علب السردين كل مجموعة فى سيارة بحقائبها حتى نلحق بالطائرة المنقذة، ونجد أنفسنا تحت ضغط ثمن مضاعف فرضته الشركة، بل فرضت على من لم يحجز عودة من خلالها أن يحجز ذهابا وعودة معها ـ هكذا فيما يشبه الإكراه ـ لكن الزمن المتبقى على موعد الرحلة الإجبارية لم يترك فرجة للتفكير ولا فرصة للرفض، وكان أن دفعنا ثمن تذاكر جديدة بعشرات الآلاف من الجنيه المسكين الذى احتار بين من يطلب السداد به حينا أو من يطلب السداد بسيد الموقف الريال الذى يطالبون به فى مواقف ويرفضونه فى أخرى تبعا لقدر الاستفادة فى كل موقف وفرض سعر أعلى من السوق السوداء على الحاج أوالتعامل بالسعر الرسمى عندما يكون الأمر بالعكس.. لكن كل هذا خمدت ناره وهدأت ثورته ونحن نمسك بالتذاكر الجديدة تسبقنا حقائبنا إلى مخزن الطائرة ونحن نمضى من الأنبوب الضخم الواصل بين المطار وداخل الطائرة العملاقة، وتخيلتنا داخل هذا الأنبوب فى وصلة برزخية بين الدنيا ورحلة الروح المقدسة، وأخيرا هاهى ملابس الإحرام قد صارت زينا الجماعى وها نحن نتخذ مقاعدنا داخل الطائرة وبها مقاعد خاوية ملحوظة، نستعد للإقلاع من أرض الوطن إلى فضائه لننتقل إلى الرحاب القدسية بحثا عن غسيل الروح ووضع الذنوب والخطايا فى محرقة الاستغفار وطلب العفو من الرحمن الرحيم.
وإلى مدينة جدة كان الإقلاع بعد ليلة طويلة مثيرة تضاعفت فيها ساعات الليل واشتد الاشتياق لنهار هناك، وولد جنين الأمل فى عملية قيصرية شاقة، وتتوالى أحداث الرحلة…
Discussion about this post