في مثل هذه السّاعة
أنس بوبكري
بينما يخبو، يعلو، ويخمد العالم بين يديّ
بينما يطفو ويتمايل كالنّوارس الهاذية
بينما يشتعل بيت بعيد ، خشبي، في صدري
وتمتنع سكرات السماء الأخيرة عن البكاء
بينما يتواصل نعيق الأشجار
ويُهزم الأفق أمام رداء الظلام الآثم
بينما ينفجر العالم
لا أفكّر في غير الكتابة اليك
وجهك الهادئ، الضّاحك بحنو شديد
عينياك الهائمة في أفقي
يداك اللتان راحتا تنزلقان على جسدي
وتضعان على ضفّتي كل أخدود لؤلؤة
وفي كل ثغرة ترقص فيها قاعها الرّيح مع دمعها، قبلة
يداك اللتان تحملان بين طياتهما تاريخ البحر
وذاكرة المدّ
وامتداد الخلود في اللامتناهي العظيم
يداك اللّتان بزيارتهما يخفت سعار قلبي
ويهدأ نشيجي المعهود
لينطلق ترانيما وأناشيد تراقصك في البعيد
يداك اللّتان جعلا منّي إمرأة
إمرأة حقيقيّة تعشق وتكتب عن حبّها
اللتان جعلا منّي آلهة
بينما لم أكن غير طفل مكسور باكٍ
بينما لم أكن غير حشرة يتيمة
لا أرض تحطّ عليها لتحظى بفرصة التحوّل
يداك اللّتان راحتا تعبثان في مجاهيلي
تطوّحان بالقلاع المهدّمة
تنفخان في وجه الرّماد
والأشباح
والأخيلة
حتّى وجدتا تعويذة الشّاعرة
التي منذ مسّني سحرها عدتُ الفتاة المعتدّة بعرائها
التي لا تهاب النيران الملتهبة في شرايينها
ولا الشلالات المنهمرة في دمها وقلبها
ولا الأخيلة والطرق المتفرّعة والافكار المجنونة في دماغها
التّي منذ قالت شعرا تلقائيا وارتجاليا فوق جسدك
عادت آلهة محلّقة في البعيد
بكلمة منها تخلّد الرّوح
وتأفل الأرباب
ويهجع نشيج الرّيح
من ملاحقة الزّمن
فيتوقّف.
في مثل هذه السّاعة
وأنا ممتلئة تماما بك
ومنهمرة بالكامل في اتّجاهك
كأنّني لا أعرف طريقا غير النّهر اللانهائي الذي يصلني بك
كأنني لا أتهجّى غير اسمك على كل قارب يرحل
وعلى كل قارب يأتي
كأنّ كل العالم يحمل على وجهه اسمك
فاذا ما هربت منكَ عدتُ إليك
وإذا ما أتيتكَ بكامل وحشيتي وانهماري، غرقتُ فيك
حتى أصبح نهري مدّا لبحرك
ونوري نورسا محلّقا فوق محيطك
وقلبي ابتسامة دافئة يرسمها اللّيل على وجهك
ويدي، مرساتك الوحيدة ،التي كلّما تعبت من السفر
وجدت في محلّها، ذاتك التائهة
في مثل هذا الوقت
وأنا الممتلئة بك حتى طفوتُ على نفسي
ووقعت من هناك في بحر كريستاليّ لامع
تكوّن من لآلئ دموعك العزيزة
لا أفكّر الا في أن أنسكب فيك كلّيا
أن أطلق لنفسي عنانها
وأن آتيك منصهرة تماما
عاتية،محلّقة، شهيّة وشبقيّة
محمومة ومسعورة كأنّ بي مسّ ما
أن أجعل من يديك يمامتين
لترتاحا على صدري
أن أحوّلك إل ماء فضيّ دافئ
يترقرق بداية من عنقي إلى منتهى رحمي
أن أجعل من ” أحبّك يا روحي” الرّقيقة
يدا تحرّك مجدافي قاربي
بنعومة بالغة ولزجة
فأنصهر
وأذوي
لأكون في تلك اللحظة فقط.
جلدك
أنس بوبكري







































Discussion about this post