بقلم … الأديب والشاعر
خالد عبد المنصف
أطلت الشمس خجولة تتثاءب من بين نتف السحب الداكنة …زرقة البحر تمتد إلى الأفق … تعانق قرص الشمس المتوارية وراء السحاب … يعلو الموج ويشتد ؛ يصطدم بالصخور؛ يندلق خارج الكورنيش؛ يحتضن الشوارع والسيارات والبيوت والبشر ..
يجلس”يوسف”داخل أحد المقاهي يتابع من وراء زجاج نافذة المقهى أفواجا من موج البحر وهو يغسل الإسفلت ..يصافح الموجُ الزجاجَ ثم يقفل عائدا يترك بعضا من رذاذه على السطح ..تختلط رائحة اليود برائحة البن ..لسعة البرد تغري برشفة من القهوة .. يغوص “يوسف” في معطفه ويُحْكِمُ لفّ الكوفية حول رقبته؛ يمسك بديوان الشعر الذي وضعه فوق المنضدة يقلب صفحاته ،يقرأ قصيدة لأمل دنقل “البكاء بين يدي زرقاء اليمامة” ينتهي من القراءة ثم ينظر إلى الأفق …تفرغ السحب الداكنة حمولتها فيندلق ماء المطر …وشيش الموج والمطر والقهوة… سيمفونية شتوية لا تُمل ..
أسراب من الطيور الغريبة ذوي مناقير طويلة تقبل من بعيد ؛ تتزايد أعدادها تدور في السماء…
ترتفع… وترتفع… وترتفع…
تغيب وراء السحب السوداء ثم تظهر مرة أخرى وقد غيرت وجهتها …
تهبط… وتهبط… وتهبط …
وتنطلق بشدة نحو موج البحر تخترق الماء ثم تخرج والصيد الثمين يملأ أفواهها…
ينظر يوسف في وجوه رواد المقهي .. يري وجوها غريبة غير مألوفة يبتسمون في وجهه يلوحون بأياديهم فيرد التحية ..
ينتهي من احتساء قهوته ثم ينطلق ليتسكع على الكورنيش يرى وجوه العابرين يتفحصهم يحدق فيهم يرى وجوها غير مألوفة يبتسمون في وجهه يلوحون بأياديهم فيرد التحية ينطلق ليلحق بالترام ينظر في وجوه رواد الترام ..يرى وجوها غير مألوفة يبتسمون في وجهه يلوحون بأياديهم فيرد التحية..
يدخل السوبر ماركت …يتفحص الوجوه ؛هي نفس الوجوه التي تركها للتو في الترام !
يصعد سلم عمارته يرى وجوها غير مألوفة يبتسمون في وجهه يلوحون بأياديهم فيرد التحية!
استلقى يوسف على السرير ظل يحدق في سقف الغرفة .. تركض الأسئلة في رأسه كجواد جامح لا يهدأ ولا تهدأ تجتاحه كموج البحر الذي يجتاح الشوارع …لِمَنْ تلك الوجوه التي احتلت الشوارع والمحال والترام والشواطئ ؟!
رن جرس الهاتف …رقم غير مسجل لديه .. جاءه صوت صديق الطفولة المهندس وائل عبد الرحمن لم يتعرف عليه سريعا فقد كان يتحدث بلكنة غريبة…أخبره أنه سيصل مطار “برج العرب” غدا في الساعة العاشرة صباحا ويريده أن يكون في إنتظاره…
في الصباح ركب سيارته وانطلق يسابق الريح إلى مطار” برج العرب” …وجوه غير مألوفة…أخلاط من البشر الغرباء ذوو بشرة حمراء وعيون زجاجية زرقاء يبتسمون في وجهه يلوحون بأياديهم فيرد التحية !
استطاع أن يميز وائل من بينهم ببشرتة القمحية وعينيه العسليتين ولكنه كان يرتدي نفس ملابس الغرباء ويتحدث بلكنتهم …ابتسم “وائل “في وجهه ولوح ليوسف بيديه …مط “يوسف”شفتيه والدهشة تعلو وجهه …
ولم يرد التحية !!
Discussion about this post