.. إلى عالمك المجنون سأبحر بلا توقف ، و على شاطئك الساحر أقف مليًا ؛ لأبدأ رحلتي من جديد .
تعلمت الأبجدية على يديكِ وأول حروفي كتبتُها عنكِ . عشقي لكِ ثقافة راهب طاف بلاد الدنيا ولم يجد إلا معبدك ،
قرأتُ فيكِ التوراة والإنجيل وحفظت القرآن . وصليت جميع الصلوات في كل الأديان . على شاطئكِ الساحر تنتظرني ” كليوباترا ” ،
ألبستني ملابس الرومان ، أمسكت بذراعي وصرنا جسدين بروح واحدة .
ومع كل نسمة من نسمات البحر نذوب معًا عشقاً ، فأكون أنا أنت وأنت أنا .
وعلى مسافة ليست ببعيدة ، ألمح أنطونيو وأوكتافيوس وقد تملكهما الغيظ والحسرة .. من هذا الغريب الذي جاء من زمن بعيد ؟
أخذتني ” كليوباترا ” في موكب ملكي تشير بيدها لأسطولها البحري وترد لهم التحية ،
وترفع يدي معها وكأنني ملكها المتوج ، وبإشارة من يدها توقف الموكب ،
وأخذتني إلى مكان لا تغيب عنه الشمس كما يقولون .
شعرتُ فيه بروح جديدة تسري بداخلي ، واتسعت عيناي رهبة وعجبًا وأنا معها .
بدأ سيرنا في بهو عظيم على ممشى من الرخام الملون برسوم شدت عيني إليه ،
وإذا بيدها تنبهني أن أنظر إلى أعلى ، فالملوك عيونهم دائمًا تنظر فى الأفق البعيد ،
ورؤيتهم تنتهي على الشاطئ الآخر من البحر . وكأنها تقول لي : روما .. روما .. اجعل عينيك صوب روما .
و نظمت خطوتي على خطوتها لرد التحية على الحرس الواقف على الجانبين إلى أن وصلنا إلى مبنى عظيم ،
بوابته وكأنها طاقة نور تملأ الدنيا ضياءً . أعلاها مظلة برسوم رومانية على شكل قرص الشمس ،
وإذا بها تشد على ذراعي حتى لا أسقط هولًا مما أراه ،
فالملوك إذا سقطوا انتهى ملكهم . وأنا لم أكن يومًا ملكًا ،
لكنني حاولت جاهدًا أن أظهر بصورة الملوك ،
و بدأ طابور من رجال لهم رهبة ومكانة وعيونهم تشع نورا وتظهر فوق رؤوسهم هالات من نور كأنها مصابيح تدلت من ثريات السماء أضاءت الدنيا ، فأشارت لي وقالت : هذا أفلاطون ، و هذا إقليدس ، و هذا جالينوس ، وهذا مانيتون المؤرخ المصري ،
فعرفت أن هذا المكان هو مكتبة الإسكندرية التي طبعت على العالم فكرًا وعلما وحضارة ، أنارت ظلام الدنيا ولم يعد لليل وجود .
وبدأ شعوري بالتواضع أمام هذا الحشد العظيم . وهنا أدركت أنني لستُ ملكًا .
Discussion about this post