نورا عواجه
سأل رجل شيخ حكيم هل يبكي الرجال ؟.
أجاب الحكيم بحزم :- نعم يبكي الرجال .
قال الرجل :- متى يبكي الرجال ؟!!.
قال الحكيم :-
* يبكي الرجال عندما تموت أُمهاتهُم لأن كلمة أُمي وحدها من تُشعرهُم بأنهم ما زالوا صِغاراً مهما بلغوا من العُمر وغيابها يُثري الشيب في الرأس ما بين ليلةٍ وضُحاها …
* يبكي الرجال حين يفقدون آبائهُم لأنهم في تلك اللحظة يُصبحون هُم الآباء وهُم الأعمدة وهُم السقف ووحدهم السند …
لأن طيبة الأب أعلى من القِمم وطيبة الأُم أعمق من المُحيطات ..
* يبكي الرجال عندما تخونهُم صِحتهُم ويخذلهم عُكازهم .
* يبكي الرجال حين يمرض أحد أبنائِهم لكن بعد أن يُديروا ظهورهم حتى لا تراهُم تلك العيون الصغيرة التي تستمد قوتها للشفاء من قُوة آبائِهم …
* يبكي الرجال حينما يُزوجون بناتهُم حين يضعون قلوبهم على صدر رجلٍ آخر بعد سنواتٍ من الرفق بتلك القوارير .
* يبكي الرجال لجحُود الأبناء أو إستعلائِهم أو تطاولهم ولو بكلمة على والديهم ….
* يبكي الرجال قهراً … وغُلباً … وضيقاً …. وخيبة …
* يبكي الرجال عند عجزهم عن تأمين لُقمة أو حاجة أو أدنى رغبة لأولادهم …
* يبكي الرجال لخشوع الله ولِفُراق الوطن ولِغياب الأحبة …!!
* يبكي الرجال عندما تختفي الأُلفة بين الأخ وأخيه ويحل محلها الهُجران، فتراهُ لا يُقدر أن إخوته جُزء من أُمه وأبيه ولا يعرف قيمة الأرحام ..
* يبكي الرجال عندما يرون أبناءهم غارقين في شهوات الدُنيا وملذاتها ولا يشكرون الله على نِعمه .
* يبكي الرجال عندما يذكرون سيرة السلف الصالح ويرون سيرة الخلف الطالح فتحترق الدمعة حُزناً وألماً في نفوسِهم وخوفاً من العذاب أن يعُمهُم ومن حولهم .
* عندما يبكي الرجال فاعلم أن هموهم فاقت قمم الجبال .
* يبكي الرجال ولكن ….
في العتمات … وتحت الأمطار …. وعلى الوسائد ….
لكن دموع الرجال لا تخرُج من العين على الخد فيراها الجميع …
بل تخرُج من القلب وعلى القلب …
فيظهر أثرها في ….
التنهُدات والنظرات وتجاعيد الوجه وبياض الشعر ورجفة اليدين .
نعم …..هكذا يبكي الرجال .
وَإِنْ بَكَتْ الرِّجَالَ أَصْبَحْت السَّاعَاتِ دَهْرا، وفَاضَ صَدْرُ البَحْرِ تَحَسُّرَا، وأَمْطَرْت السَّمَاءَ قَهْرا
وتَعَرَّقَ وَجْهُ الثَّلْجِ وَتَجَمَّرَ وَاِنْحَنَتْ رُؤُوسُ الجِبَالِ .
إِنْ بَكَتْ الرِّجَالَ تَزَلْزَلَتْ الأَرْضُ وَتَنَفَّسَتْ كَمَدا، وأَدْمّعَ عِطْرُ الوَرْدِ واِحْمَرَّ خَد الفَجْرُ وَتَرَمَّدَ
وأُصِيبَتْ عُيُونُ النَّهَارِ بِالرَّمَدِ وَاِنْكَسَرَ عَمُودُ السَّمَاءُ وَمَال .
إِنْ بَكَتْ الرِّجَالَ مَاتَتْ النُّسُورُ حُزْنا، واِنْدَثَرْتْ بِصَحْرَاءِ الرُّوحِ خُلُوُّج المَزايِنِ ، وفَقَدَتْ الأَسْوَدَ هَيْبَتُهَا، وَأَصْبَحْتَ دُونَ وَزْنٍ وَتَوَارَتْ عَنْ النُّزَّالِ .
فَلَا تَقُولِ لي بَعْدَ الآنَ يَا أَمْ الرِّجَالُ لَمَّا لَا تَبْكِي الرِّجَالَ .
نسْأَلُكَ رَبَّنَا الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ وَالمُعَافَاةَ الدائمة في الدُنيا والآخِرَةِ وحُسن الخِتام والوفاة على الإيمان .
اللَّهُمَّ آمِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَاللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ .
Discussion about this post