بقلم الكاتب الصحفي
سعيد الخولى
نظرية الرجل والحصان
للممثل القدير الراحل محمود مرسى رحمه الله مسلسل جميل اسمه (الرجل والحصان) ولمن لم يشاهد المسلسل فهو يدور حول رجل شرطة مرتبط بحصانه الميري وجدانيا وإنسانيا حتي شاخ الحصان وحان اوان التحلص منه علي الطريقة الميرى برصاصة فى الرأس تنهي حياته، لكن الشرطى المرتبط بحصانه يرفض هذه الرصاصة الحتمية ويصمم علي ان حصانه مازال به الرمق ويستحق الحفاظ عليه، ويحاول ان ينقذه من الرصاصة ليعيش حتى يلقى حتفه طبيعيا، ولايجد مفرا سوى الهرب بحصانه من الملاحقة ويضحي بخدمته وعمله ويعرض نفسه لمحاكمة قاسية، وتمضي الحلقات بمحاولات هروبه المختلفة حتى يلقى الحصان حتفه دون رصاص فيواريه الشرطي التراب ويعود ليسلم نفسه غير عابئ بما سيجرى له من عقوبة.
وتداعت إلى خاطرى مشاعر الوصول إلى سن الستين – وقد عشتها قبل عامين وبضعة شهور – مثل صاحبنا الشرطى وحصانه الأثير، واستدعت الذاكرة ما تعيه مما قرأته عن اليابانيين وكيف يتفننون فى الاحتفاء والتكريم لمن بعد الستين.
حيث يحتفل اليابانيون احتفالا خاصا مميزا هو الأكبر لمن يبلغ ٦١سنة بمناسبة دخوله مرحلة جديدة من العمر..بل يحتفل الصينيون واليابانيون أيضا احتفالات سوبر بأعياد الميلاد ذات السنوات التكرارية بداية من ٦٦ ثم ٧٧ ثم ٨٨ و٩٩ لمن يبلغها ويعطون لها مسميات خاصة؛فمثلا ٨٨ يسمونه عام الأرز و٩٩ يسمونه العام الأبيض إمعانا في إعطاء الأمل والبحث عن حافز جديد للعطاء والإيجابية في الحياة مع امتيازات وتكريمات واحترامات مجتمعية للمسن…
أما فى عالمنا النائم أو النامى – كما ندلعه فنزيده نوما منذ وعيت الحياة – فما يكاد الرجل فينا يناهز الخمسين حتى ينال من الألقاب والتكريمات التي هي في حقيقتها تكريهات؛ ما يخرجه من دائرة الفاعلية في المجتمع فهو الرجل البركة ثم الكهنة ثم العجوز المتصابي ثم اللي ماسك في الدنيا بايديه وسنانه ثم اللي حياخد زمنه وزمن غيره وأخيراً ماتريحنا بقي العيال شابت وانت موتوت فيها – وأعتقد باعتبار ثقافتى الفلاحى – أن الكلمة الأخيرة ترجع إلى كلمة الوتد دلالة علي ثباته في الأرض وعدم خلعه بسهولة.. ولو أن الزوجة الصالحة رزق الحياة الدنيا تدرك أهمية وجود الزوج ولو كان “عظم فى قفة” كما يتندر الناس.
أما المرأة فلا تنجو من المسميات هي الأخرى مابين الحيزبون الي أم قويق وأم أربعة وأربعين والشبح وأمنا الغولة ثم الكركوبة.
هذا علي المستوي المجتمعي والشعبي أما الحكومي والرسمي فسن الستين هو سن بلوغ الرجل او المرأة جزاء خيل الحكومة كما يقول المثل؛فيتحول الحصان ذو الدلالة علي الجمال والقوة إلى سحب عربة كارو أو رصاصة تجعله طعاما لحيونات حدائق الحيوان آكلة اللحوم وإن كان الجزارون حاليا يتسابقون علي لحم الحمير ليأكله بنو آدم .. فمابين ستين سنة وستين سنة ويوم تصاب المخصصات المادية للمسن العجوز بهبوط مفاجئ والرعاية الصحية تنتقل من كفالة الحكومة أو الهيئة التى كان يعمل بها إلى رذالة التعامل مع التأمين الصحى وعلاجاته التى مثل الماء لا طعم لها ولا لون ولافعالية فى الغالب، ويضطر المسكين لشراء علاجاته بنفسه لتغتال مبلغ المعاش المصاب بالسل والنحافة وسوء التغذية وانعدام الدماء ناهيك عن فقر دم الاهتمام المجتمعى والحكومى. وبينما يتفنن الصينيون واليابانيون في اختراع مسميات وتكريمات تغذي الأمل يتفنن مجتمعنا شعبيا ورسميا في إعطاء المسن مسممات وتكريهات تدني الأجل.وإن كانت هناك بادرة حكومية مؤخرا تعطى بصيصا من الأمل فى تغير النظرة الرسمية فيما يخص تذاكر كبار السن فى وسائل النقل المختلفة سواء المجانية لمن فوق السبعين! أو ذات السعر المخفض لمن تحتها، وقد تصادف مرة وأنا أركب أتوبيسا عائدا للمنزل أن فوجئ الكمسارى وهو يبدأ قطع التذاكر للركاب بثلاثة من ذوى السبعين المجانيين واثنين من ذوى الستين بنصف تذكرة، فما كان منه إلا أن يعلق بتلقائية فطرية مصرية قائلا :آه ياولاد ستين فى سبعين!
Discussion about this post