بقلم دكتور
عاطف معتمد
تعد صورة المفتي والمفكر الإسلامي الشهير “رضا فخر الدين” في ملابس الإحرام واحدة من أشهر أيقونات نهاية الزمن القيصري وبداية العصر الشيوعي.
و”فخر الدين” شخصية رائدة شهيرة في تاريخ الإسلام في منطقة جبال الأورال في وسط روسيا، وخاصة بين المسلمين التتر والبشكير.
ترك “فخر الدين” مؤلفات عديدة لمسلمي روسيا باللغات العربية والتترية، وكان على علاقات وثيقة بما يجري في العالم الإسلامي، ولاسيما في الأوساط الثقافية في الدولة العثمانية وفي مصر، وتبادل الرأي والمشورة وراسل عديدا من رموز الفكر في كلا البلدين.
تستمد مساهمات “رضاء الدين فخر الدين” أهميتها من انتسابها لحركة تطوير الفكر الإسلامي وتنويره، والمعروفة باسم الحركة “الجديدية” في مقابل الحركة الأقل انفتاحا المسماة “القديمية”، وذلك في فترة مفصلية من تاريخ المسلمين في روسيا في نهاية القرن 19 وبداية القرن 20.
ساهم “فخر الدين” بعدد وافر من الدروس والفتاوى والمحاضرات، وقام بإعادة كتابة أو نسخ أمهات المؤلفات من اللغة العربية مع التعليق عليها وشرحها، كما قام بترجمة العديد منها إلى التترية بحكم معرفته باللغات العربية والروسية والتركية، كما دون الجديد من الرسائل والمؤلفات. وفي مكانة المفتى أصدر فخر الدين فتاوى بالغة الأهمية لمسلمي روسيا، ورأس تحرير الجريدة الإسلامية الشهيرة التي حملت عنوان “شورى”.
جاء ظهور “فخر الدين” وعدد من رواد التجديد الديني والنهضة الفكرية والسياسية لدى المسلمين في روسيا في وقت “المرحلة الانتقالية” والصعود الديموقراطي في روسيا إثر الهزيمة من اليابان مطلع القرن العشرين والضغط الإصلاحي الذي شنه المفكرون القوميون الروس على حكومة القيصر لإفساح حياة فكرية وتعددية حزبية.
شملت بانوراما عصر “فخر الدين” هزيمة روسيا في الحرب العالمية الأولى، والحرب الأهلية، وبداية العصر الشيوعي الذي غازل في البداية مسلمي روسيا لكي يقفوا إلى جوار الشيوعية، مع حفظ شخصيتهم الثقافية والدينية، قبل أن يتحول الشيوعيون عن وعودهم لاحقا.
توفي “فخر الدين” في عام 1936، وما زال المسلمون في روسيا والفضاء الجغرافي في بعض دول آسيا الوسطى يحتفلون بتأثيره الفكري والثقافي والروحي إلى يومنا هذا.
Discussion about this post