بقلم دكتور … عاطف معتمد
لا مرجع بدون رحلة…ولا رحلة بدون مرجع !
بصعوبة بالغة دخلت وادي أصخر، وهو أحد ينابيع وادي عربة الذي يمتد فيما بين وادي النيل غربا وخليج السويس شرقا.
قرأت اسم “أصخر” دون أن أفهم معناه سنوات طويلة. ولذا كنت فرحا بدخوله كفرح الأطفال بنزهة في يوم عيد.
سيطرت على حواسي في نصف اليوم الذي أمضيته هنا مشاهد الجغرافيا الطبيعية. كنت مشغولا بنوع الصخر، وترتيب الهضاب والتلال، ومواقع الشلالات القديمة التي جفت المياه منها، كنت أيضا مشغولا بالتعرف على أنواع النبات برفقة دليل جاء معي من قرية صغيرة لعرب المعازة في بطن الوادي.
خرجت من الوادي وكتبت هنا قبل عامين إنني أرجح أن يكون الاسم مصدره كمية الصخور المتناثرة ووعورة السير في الوادي.
صباح أمس، وبعد مرور عامين على هذه الزيارة، وصلني مرجع قديم لاثنين من العلماء المصريين (نبيل حبشي وزكي تواضروس) أجريا رحلة من وادي النطرون إلى صحراء مصر الشرقية قبل ما يقرب من 100 عام.
انطلق العالمان حبشي وتواضروس في عام 1929 لزيارة دير الأنبا أنطونيوس. وفي الطريق زارا وادي أصخر.
يتحدث المؤلفان عن أطلال مستعمرات رهبنة مسيحية في وادي أصخر، كانت مرتبطة على الأرجح بعالم الرهبنة في دير الأنبا أنطونيوس الواقع في هضبة الجلالة القبلية.
نحن هنا في وادي أصخر في هضبة الجلالة البحرية، على الضفة الأخرى من وادي عربة، وكما قيل فإن اسم “الجلالة” هو تحريف لاسم “القلالة” وذلك لانتشار القلايات (ملاجئ الرهبان الصخرية) في كهوف صحراء مصر الشرقية، غرب خليج السويس.
أخذت أقلب في صفحات البحث القديم، ووجد أن العالمين الجليلين أشارا إلى أن الأديرة الصغيرة التي اندثرت من وادي أصخر كانت تقوم على عيون للمياه.
وهنا تذكرت أنني مررت على بعض أدلة نسميها أدلة “كارستية” لعيون المياه القديمة في وادي أصخر. وكارست كلمة يوجسلافية تعني “صخر صلب من حجر جيري يحتفظ بمخزون من المياه الجوفية في باطنه”.
تذكرت أنني أخذت صورا عديدة لهذه الأدلة الواضحة في جوانب الوادي وبعض العيون القديمة محاطة بأحجار رصت بشكل هندسي تشير إلى أن بعض الرهبان كانوا يعيشون هنا بشكل منعزل ربما في شكل قلايات للرهبنة.
هذه القصة القصيرة تبين أن الزيارة الميدانية مهمة لكنها تصبح أكثر إنارة من خلال المراجع القديمة التي مر على بعضها نحو قرن من الزمن.
وكما نقول دوما: الزيارة الميدانية عظيمة ..لكنها بدون مراجع من دراسات سابقة تعاني النقص
والمراجع والدراسات السابقة عظيمة ..لكنها بدون زيارة ميدانية ينقصها أيضا الكثير.
Discussion about this post