بقلم الكاتب الصحفي
سعيد الخولى….
بين الجد والطرافة تدور كلمات هذا الموضوع، ولايذهبن الظن بأحدكم أن فى الأمر إسقاطا على زمن ولا فئة بعينها . والأمانة فقد استقيت مادته من عدة مصادر على الفيس بوك والمواقع الخبرية وقمت بتصرف فى الصياغة.
البرسيم محصول شديد الأهمية فى الريف المصرى،ولعله لم يكن مما زرعه وعرفه قدماء المصريين كباقى المحاصيل مثل القمح أو الذرة اللذين تدور فى فلكهما لقمة عيش المصرى وحيواناته وطيوره .أيضا عرف المصرى القديم عديدا من المحاصيل ومنها :الفول، العدس، الذرة العويجة، الحلبة، الخيار، البصل، الخس ومن الفواكة التين، العنب، النبق، الجميز، البلح. كما كانت هناك محاصيل الزيتية، مثل السمسم، الخروع، كما بدأت زراعة الزيتون منذ الأسرة الثامنة عشرة ولكنه كان نادراً دائماً.. وللعودة إلى جذور وجودالبرسيم نرجع إلى عصر محمد على الذى دخلت مصر فى عهده أنواع كثيرة من المحاصيل والأشجار ومنها أشجار التوت ليقيم بها صناعة الحرير من خلال تربية دود القز،ومن الفواكه كان أشهر مادخل مصر أيامه اليوسفى الذى كانت له قصة طريفة لدخوله مصر وارتبط تاريخه بقصة عائلية حزينة في قصر محمد علي مؤسس مصر الحديثة، وكان اليوسفي سببا في سعادة محمد علي بعد حزن طويل عاشه داخل قصره بسبب وفاة ابنه.
كان يوسف أفندي شابا نابغا من ضمن البعثات التعليمية التي أرسلها محمد علي إلى الغرب لتعلم فنون الأدب والكتابة والتاريخ والعلوم والزراعة للمساهمة في نهضة مصر في مختلف المجالات في ذلك الوقت، وكا يوسف افندي متخصصا في علوم الزراعة والفواكه.
في طريق عودة يوسف أفندي من فرنسا ضمن البعثة التي ضمته، اضطرت السفينة التي أقلتهم الى الوقوف في جزيرة مالطة والمكوث فيها لأسابيع بسبب عاصفة بحرية، وهناك التقى يوسف افندي تجارا من دول شرق آسيا يجلبون شجيرات صغيرة وفواكه من نوع جديد تشبه البرتقال وأطلقو عليها “مندرين”، حيث كان التجار في طريق العودة من أسبانيا.
أثارت الفاكهة الجديدة فضول يوسف أفندي فطلب شراء بعض منها وجلبها الى مصر لتبدأ زراعة اليوسفي في مصر ووفق الرواية التاريخية.. عادت البعثة إلى مصر، وعلم محمد علي بأنباء يوسف أفندي والشجرة الجديدة التي أحضرها معه، وبالرغم من الحزن وحالة الهم التي سادت حياة محمد علي بعد وفاة ابنه طوسون باشا ، إلا أنه أصر على مقابلة البعثة بنفسه، لرؤية الفاكهة الجديدة ومقابلة يوسف أفندي.
وأراد يوسف أفندى التسرية بذكاء عن محمد على بعد أن تذوق الفاكهة الجديدة وسأل:ما اسم هذه الفاكهة، فرد يوسف قائلا : “طوسون باشا”، فتبسم محمد علي وأفرج عن ضحكته التي ظلت حبيسة منذ مدة طويلة منذ وفاة ابنه، وأمر جنوده بزرع شجرة يوسف أفندي في الحديقة، فربط الجنود اسم الفاكهة باسم يوسف أفندي و اقترنا معا حتى يومنا هذا، ويقال أحيانا يوسفي.
***
ونعود إلى محصول البرسيم بمصر حيث يذكر المؤرخ أحمد الحتة في كتابه “تاريخ الزراعة في عهد محمد على”، إن محمد على جلب أصنافًا من البرسيم، وهى التي تُعرف فى وقتنا الحالي بالبرسيم الحجازى، مؤكدا أن البرسيم الحجازى يمكث فى الأرض كثيرا؛ لذا يفضله المزارعون.
كان البرسيم يُقطع أول مرة، ثم يترك لينمو ثانية، حيث يقطع لمدة أربع مرات في العام فيما يعرف عند الفلاحين بالربيع
أما الطرفة الحقيقية التى شهدتها أوائل الخمسينيات فى مصر فكانت حكاية عصير البرسيم. كان طُرفة وفكاهة، ويذكر بعض من بحثوا حول الأمر أن بعض الأقاويل رجحت أن يكون العصير الذي كان يتناوله الناس هو الحلبة الخضراء؛ لكون الحلبة الخضراء أقرب للبرسيم في الشكل، مضيفا أن المحل الذي كان يقدم عصير البرسيم كان في منطقة الدواوين.
لكن الصحافة رصدت الأمر وقتها حيث تقول مجلة “الإثنين والدنيا”:”فوجىء المارة في منطقة الدواوين، بشاب يقف أمام محل عصير، وفى يده حزمة برسيم كبيرة، وهو يهتف مناديا (إتفضل يابيه إشرب برسيم)، اقترب المارة من المحل الذي يشير إليه الصبي فرأوا حزمًا ضخمة من البرسيم تُزين واجهة المحل، والذي يحمل يافطة طريفة (إشرب العصير الممتاز.. شراب الربيع الصحي)، وقد وقف صاحب المحل يشرح للناس أهمية هذا العصير وفوائده فهو يعالج الروماتيزم وضغط الدم ومرض السكر.
وبدأ الناس يتفاعلون ويتذوقون هذا العصير السحري ولم يخل الأمر كالعادة من التنمر والتريقة بشكل فكاهي، فهذا رجل يسأل (يعنى الواحد لو شربه يبقى قوة كام حمار؟)، ودخل واحد للمحل وهو يصرخ (ماء ماء).. وإحدى بنات البلد تعاملت مع البائع متباعدة خشية أن تكون إصابته عدوى الرفص كالحمار، وجاء صعيدي يطلب عصير قصب فقال له جرب عصير البرسيم، فغضب الصعيدي وقال :”مين قالك يابوى إنى أنا حمار ، عصير البرسيم ده تشربه انت.. علشان أنت حمار حصاوي”.
الطريف أكثر أن محرر مجلة “الإثنين والدنيا” في مارس ١٩٥٢ قابل الدكتور محمود المغربي رئيس أبحاث التغذية بوزارة الزراعة، وسأله عن رأيه في البرسيم كغذاء أو شربه كعصير للإنسان، فقال له إنه يحتوى على الكاروتين المكون لڤيتامين ألف، والإيثامين والريبوفلامين والناياتين، وهى المواد التي تكون ڤيتامين ب، وبه بروتين وقدر من ڤيتامين سي ود، وأنه يدخل في أمريكا فى صناعة بعض الأدوية المقوية للأطفال، وأنه من أحسن الخضراوات المليئة بالڤيتامينات، وفى هذا الصدد فهو يتفوق على الملوخية والحلبة الخضراء.
ورغم ما يتردد عن اهمية هذا النبات صحيا, باعتباره من اهم المشروبات الشعبيه بأمريكا اللاتينية إلا أن ارتباطه بتغذية الماشية والحيوانات بالريف والمدن جعل الكثيرين في دول حوض البحر الأبيض بطبيعة الحال يتجنبون تناوله لأسباب نفسيه باعتباره غذاء المواشي الأساسي لذا يحرمون أنفسهم من فوائده دون إدراك أهميته الصحية التي يؤكدها الأطباء فى أمريكا اللاتينية مثل علاج اعراض سن اليأس . الطبيعي .
وأنه يساعد في تحسين صحة القلب والأوعية الدموية.
كما يساعد في الحفاظ على قوة العظام ومنع هشاشتها.
وكذلك تقليل حالات الالتهابات الجلدية مثل الصدفية، والأكزيما، والطفح الجلدي.
كما أنهم يستخدمون مستحضر البرسيم من أجل العلاج والوقاية من الأمراض التنفسية مثل؛ نزلات البرد، والسعال الديكي، والتهاب الشعب الهوائية والربو،بل إنهم يعالجون به مشاكل الانجاب خاصة انعدام السائل وتشوهات السائل المنوى . ويستعمل مع وصفاتي الأخرى مثل عصير البصل او يكون استعماله يوم بيوم مع عصير البصل .
هكذا كانت حكاية البرسيم وعصيره مزيجا بين الطرافة والجدة وانظروا تأثيره على مواشينا لنعلم حقيقة تلك الفوائد العظيمة،ربنا يجعل كلامنا خفيفا على كل من سيتخذه مجالا للسخرية أو الإسقاط..فما رأيكم؟
Discussion about this post