بقلم الكاتب الصحفي
سعيد الخولى
إن زيادة إيقاع انتهاك المستوطنين للمسجد الأقصى الأسير هى خطوة متكررة ضمن تخطيط موضوع منذ عشرات السنين فى إطار مايصفه الفكر الصهيونى والمتطرفين اليهود بأنه معركة النهاية، ولنراجع معا البداية.
فى عام 1970 صدر في أمريكا كتاب ” كوكب الأرض العظيم والأخير” للكاتب التوراتى الأمريكى “هال ليندسى”، حيث احتل هذا الكتاب في أمريكا المركز الثاني في قائمة الكتب الأكثر مبيعا لعقد السبعينيات بأكمله، ولم يتفوق عليه مبيعا هناك إلا الإنجيل، وقد غير هذا الكتاب مفاهيم لدى الكثيرين من الأمريكيين سواء على المستوى الشعبي أو على مستوى صُناع القرار، فكان مما ذكره “ليندسى”: أن دولة إسرائيل هي الخط التاريخي لمُعظم أحداث الحاضر والمستقبل، وأننا نركض نحو الأيام الأخيرة حيث سيجتمع أعداء إسرائيل من مختلف شعوب الأرض في هرمجيدون وتقوم المعركة الكبرى.
إن أمثال هال لندسى وعشرات غيره من قادة اليمين الأمريكى الجديد، يعتقدون أن الكتاب المُقدس يتنبأ بالعودة الحتمية الثانية للمسيح بعد مرحلة من الحروب النووية العالمية و الكوارث الطبيعية والانهيارات الاقتصادية والفوضى الاجتماعية.
في عام 1985 أجرى المعهد المسيحي في واشنطون (وهو معهد متخصص في الدراسات الدينية عن الإسلام والمسيحية واليهودية) دراسة حول إيمان الرئيس رونالد ريجان بنظرية هرمجيدون جاء فى الدراسة: ” إن إمكانية إيمان رئيس الولايات المتحدة بأن الله قضى بنشوب حرب نووية من شأنه أن يرسم علامات استفهام مثيرة، هل يؤمن بجدوى التسلح رئيس يعتنق هذا النظام الديني ؟ وخلال أي أزمة نووية هل سيكون مترويا وعاقلا ؟ أم أنه سيكون متهافتا للضغط على الزر، وهو يشعر في قرارة نفسه أنه يساعد الله في مخططاته التوراتية مسبقا لنهاية الزمن ؟”
وقبلهما كانت جريس هالسل الكاتبة الأمريكية التى اختارها الرئيس الأمريكي الأسبق ليندون جونسون للعمل معه في البيت الأبيض (1961ـ1963)؛ فقد نشأت جريس نشأة دينية في أُسرة مُتدينة كانت أُمنيتها أن تذهب إلى فلسطين، أرض الميعاد فى اعتقادها ، التي تؤمن بأن المعركة الأخيرة ستكون هناك، وعندما ذهبت هناك مع بعض الزعماء الإنجيليين، سجلت كل مشاهداتها ومذكراتها في كتاب (النبوءة والسياسة .. الإنجيليون العسكريون والطريق إلى الحرب النووية(.
عندما كانت في القدس بجوار مسجد قبة الصخرة أخبرها مرافقها “أون” أن النبوءة الإنجيلية (تقضى) بأن على اليهود تدمير هذا المسجد وبناء الهيكل بدلا منه.
وقد عددت جريس هالسل في كتابها عددا كبيرا بالأسماء من رجال السلاح أو أباطرة الإعلام والصحافة أو أقطاب صناعة النفط وغيرهم يُرسلون سنويا بلايين الدولارات لدعم إسرائيل ومن أجل أن يتحقق بناء الهيكل.
عشرات القنوات الإعلامية اللامعة والتي يتم بثها يوميا بعدد لا نهائي من الساعات ويصل بثها إلى الملايين من الأمريكيين والعالم، ويُقدمها رجال دين وسياسة ويدعمها رجال أعمال، كلها تصب في نفس الهدف، ترسيخ المفاهيم عن نهاية العالم وإسرائيل وهرمجيدون في عقول شعوب الأرض عامة والشعب الأمريكي خاصة، وهاهو كينين كوبلاند أحد كبار المؤمنين بذلك ويصل برنامجه إلى الملايين من الشعب الأمريكي يقول:”إن الله أقام إسرائيل..إننا نشاهد الله يتحرك من أجل إسرائيل..إنه لوقت رائع أن نبدأ دعم حكومتنا مادامت تدعم إسرائيل..إنه لوقت رائع أن نُشعر الله بمدى تقديرنا إلى جذور إبراهيم”.
والأمر ليس على صعيد الإدارة الأمريكية فقط بل إن شريحة كبيرة من الشعب الأمريكي أصبحت تتحرك من أجل ذات الهدف،فإن استقصاءً أجرته مؤسسة (باتكيلو فيتش) الأمريكية أظهر أن 39% من الشعب الأمريكية يؤمن أنه حينما يتحدث الكتاب المُقدس عن تدمير الأرض بالنار، فإن ذلك يعني أننا نحن البشر سوف نُدمر الأرض نوويا (هرمجيدون)، إذا ما يقرب من 100 مليون أمريكي يعتقد أن الحرب النووية هي مصير محتوم لا مفر منه.وهذا أيضا مايفسر قرار ترامب بالعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وتغاضى بايدن وإدارته حاليا عما ارتكبته إسرائيل فى حى الشيخ جراح ثم التعامل مع تدمير غزة باعتباره رد فعل لصواريخ المقاومة التى أزعجت إسرائيل والإسرائيليين.
ولابد من أن نسترجع معا ماكتبه الدكتور مصطفى محمود فى كتابه ” إسرائيل البداية والنهاية ” وهو يطرح عدة تساؤلات يقول فيها : ” هل تدرك إسرائيل ضعفها وخواءها من الداخل ؟.. هل تدرك انقسامها ؟.. هل يدرك الجيش الإسرائيلى عجزه عن المواجهة رجلا لرجل ؟.. ويجيب قائلا : ” البعض فى إسرائيل يدرك ذلك, ولكن الغوغاء فى إسرائيل يتصورون أنهم حكموا العالم, وأنهم يقودون التاريخ, وأنهم عاصفة لا تقهر, وأنهم المختارون حقا من الله للسيادة على الجنس البشرى, وهى عنصرية لا تختلف عن العنصرية النازية والعنجهية الفاشية, وهذا الصلف الأعمى هو الذى سيورد إسرائيل حتفها, ولا تفرق إسرائيل بين حربها وحيدة وبين حرب العالم كله معها, فالعالم فى نظرها يجب أن يكون خادما لأهدافها ! ولهذا تخطط الصهيونية لإيقاع العالم فى حرب شاملة وفتنة اسمها ” هرمجدون” وهى مقتلة أسطورية يحارب فيها العالم المسلمين حرب فناء “.
***
كما يحسن بنا أيضا الإطلال على كتابات قيادات أمنية داخل الكيان الغاصب, وفى مقدمتهم ” افرايم هليفى ” رئيس جهاز المواساد الأسبق الذى قال : ” نحن على أبواب كارثة.. إنه ظلام ما قبل الهاوية ” , ومئير داغان رئيس جهاز المواساد العاشر : ” إننى أشعر بخطر ضياع الحلم الصهيونى ” , والمؤرخ الإسرائيلى ” بينى موريس ” الذى قال : ” خلال سنوات سينتصر العرب والمسلمون, ويكون اليهود أقلية فى هذه الأرض إما مطاردة أو مقتولة, وصاحب الحظ هو من يستطيع الهرب إلى أمريكا أو أوروبا “, وتصريح المحلل العسكرى بالقناة العبرية الثانية ” رونى دانييل ” : ” أنا غير مطمئن أن أولادى سيكون لهم مستقبل فى هذه الدولة “, ولا ننسى ” يارون لندن ” الذى قال فى كتابه ” مذكرات صحفى عبرى ” عام 2014 : ” إننى أعد نفسى لمحادثة مع حفيدى لأقول له عن نسبة بقائنا فى هذه الدولة لن يتعدى 50 %, ولمن يغضبهم قولى هذا فإننى أقول له ان نسبة 50 % تعتبر جيدة لأن الحقيقة أصعب من ذلك “, و” يوفال ديسكين ” رئيس جهاز الشاباك السابق الذى قال : ” لا أدرى هل هى نهاية البداية أم بداية النهاية “, و” كارمن غليون ” رئيس جهاز الشاباك السابق الذى قال : ” إن استمرار السياسات المتطرفة ضد المسجد الأقصى ستقود إلى حرب يأجوج ومأجوج ضد الشعب اليهودى وستقود إلى خراب إسرائيل ” !
كل تلك الكتابات يمكنها أن تجيب عن السؤال الصعب حول مايجرى فى فلسطين بداية بالقدس وحى الشيخ جراح العام الماضى ثم إشعال المواجهة حول المسجد الأقصى بين الفلسطينيين والمستوطنين والشرطة الإسرائيلية وذروتها بقتل الإعلامية الشهيرة شيرين أبو عاقلة، وأخيرا انتهاك المستوطنين للمسجد الأقصى والاعتداء على المرابطين والغازات التى سقط فيها عشرات الشهداء دفاعا عن القدس والأقصى، وتكرار افتعال مايشبه المواجهة بين طرفين لتكون أفعال إسرائيل رد فعل فى نظر من يناصرونها فى العالم،وهى فى الحقيقة تمضى فى مؤامرة تهويد القدس تمهيدا لسرعة هدم المسجد الأقصى.
Discussion about this post