نــورا عــواجـــه
كغيرها من المدن الكبيرة، تعيش العاصمة البريطانية لندن مع الفئران.. لكن هذا التعايش بات صعبا فى الآونة الأخيرة. فعلى الرغم من أنه ليس هناك توافق بين خبراء الصحة والبيئة حول أعداد الفئران فى بريطانيا، إذ يضع البعض الرقم عند 10 ملايين، بينما يقول البعض الآخر إن الرقم أقل بكثير وبحدود نحو 1.5 مليون إلى مليونى فأر. إلا أن هناك توافقا على أن انتشارها يعكس مشاكل جوهرية تعانيها لندن وباقى المدن البريطانية الكبيرة، مثل: مانشستر وليفربول وبرايتون.
فالصحة العامة فى تلك المدن فى تراجع، حيث تشهد العاصمة البريطانية خفضا متواصلا لميزانية الأحياء، عززه عدم التعافى من آثار الأزمة الاقتصادية 2008، ثم تأثيرات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى (البريكست)، الذى أثر على الاقتصاد وعلى توافر اليد العاملة، ثم جائحة كوفيد 19.
هذه الأزمات المتلاحقة أدت إلى تراجع كبير فى حجم الإنفاق على ميزانية المحليات، وبالتالى بدلا من جمع مخلفات المنازل كل أسبوع، أصبح جمع هذه المخلفات كل أسبوعين. وبسبب «البريكست»، وما ترتب عليه من تراجع فى اليد العاملة الأوروبية، أصبح كثير من المزارع تعانى صعوبة تشغيل ما يكفى من اليد العاملة الزراعية لجمع المحاصيل الناضجة، وبالتالى تحول كثير من الحقول والمزارع إلى «طاولات طعام جاهزة» للفئران التى تزايد عددها بشكل كبير خلال الجائحه
. فالإغلاق الوطنى لشهور طويلة جعل الشوارع والحقول ومحطات القطارات خالية من الغالبية العظمى من السكان الذين باتوا يعملون من المنازل، وبالتالى وجدت الفئران شوارع لندن ومحطاتها مكانا آمنا للتجول وإيجاد الطعام المجاني. وهذا عنصر آخر مهم، ففى المدن أصبح انتشار محلات الطعام السريع مصدرا آخر لانتشار الفئران، وهذه ظاهرة عالمية.
ففى مدينة نيويورك الأمريكية التى بها عدد قياسى عالمى من مطاعم الوجبات السريعة، عين مسئولو المدينة مسئولة متخصصة لشئون الفئران، وهي كاثلين كورادي، لمواجهة تفاقم أعدادها فى تلك المدينة الجميلة والمزدحمة.
فالازدحام أرضية خصبة لانتشار تلك القوارض. ولندن مدينة فى ازدحام متزايد، كثير منه مرتبط بالبحث عن عمل. ولأن بريطانيا كلها جزيرة صغيرة أصبح بناء العمارات، التى تضم 20 أو 30 شقة، توجها سائدا لعلاج أزمة نقص المعروض من السكن الاقتصادي. لكن هذا يعنى تفاقم المشكلة، فالمبانى المزدحمة هى أرضية خصبة بسبب انتشار بواقى الأطعمة لعشرات السكان فى مبنى واحد. وبعدما كان من العادى أن ترى عامل نظافة فى الشارع كل يوم، بات من الصعب تذكر متى كانت آخر مرة رأيت فيها عامل نظافة.
يعنى التسامح إزاءها. فكثير من الأمراض، مثل: السالمونيلا والكوليرا والتيفود، يمكن أن تنتشر عبر الفئران، وهذا يعنى أنها بطريقة مباشرة وغير مباشرة مسئولة عن وفاة أكثر من مليون شخص حول العالم كل عام. ولا عجب أن تنتهج سنغافورة وهونج كونج مثلا سياسة «عدم الرحمة» إزاء تلك القوارض، معلنة سياسات صفرية، أى القضاء على آخر فأر فى المدينة.
Discussion about this post