الباحث الدكتور … محمد عبد الكريم الدليميا
الشعر العربي نزل مع اللغة ولم يضطر الإنسان لأبتكاره بل أوحاه الله مع اللغة كما أوحى بلاغتها، ونظم النثر ، وقد نزلت الصحف المكرمة على آدم عليه السلام وقد افلح آدم ببلاغته ومعرفته البليغه في اللغة أن يفسر ويوضح ما كان في الصحف المكرمة وهذا دليل قاطع على إن المنهج التحليلي عرف عند العرب منذ قديم الزمان ، وقد تلاحقت الأقوام بعد آدم عليه السلام وتفرقت في الأرض وكل قوم اتخذ سبيله في العيش، فكان نصيبنا في البحث مما جاء في القرآن الكريم من قصة نوح عليه السلام وما نشب مع قومه من خلاف ضد قضية الإيمان بالله سبحانه وهذا ما يعرف بالنقد فهم عرفوا النقد وعرفوا المنهج التحليلي منذ بداية الخليقة فأنتقد قوم نوح الصحف المكرمة التي نزلت عليه بأبشع الصفات فقالوا له أتتخذنا هزوا وهذا دليل على فهمهم للغة الصحف ولكن العقيدة التي يبنيها الشيطان الرجيم على الملموس من الصعب تترك لأمر محسوس فقط؛فالعقيدة الألهية تدرك بالتفكير السليم لا بل الملموسات والمنظورات .
هنا من هذه النقطة عرف الإنسان القديم النقد وفهم ما يعرض عليه فمن آمن واتخذ سبيل الرشد طريقا فهو من له رؤيا نقدية عميقة الأدراك في الصحف المكرمة، ومن لم يع ما في الصحف المكرمة لم تكن لديه رؤيا حقيقية في النقد العربي ؛ وهذا الطرح يثبت حقيقة اللغة وحقيقة نزول الصحف باللغة العربية التي لا تقبل الزلل ، لأن النص المكتوب في لغة الأعاجم يتخذ طرق مختلفة في النقد ولا يمكن مسك زمام الأمور لديه؛ فكل مفكر يستطيع أن يخرج برأي يختلف عن الأخر وهو صحيح لأن اللغات الأعجمية هي المعاني المطروحه في الطريق فلا ممسك لها لسان أو قاعدة لغوية وهذا ما جعلها يبنى عليها الكثير من الأراء المضطربة ؛ عكس ما كان من اللغة العربية فهي من تمسك زمام أمورها بيدها وهي من تمسك الفكر ولا تخرجه عن أرادتها فمن شاء صدق معها ومن شاء حمل عليها واضطر الفكر إلى الزلل.
وقد عرفت العرب الشعر العربي وهو ركن من أركان اللغة العربية منذ نشأة آدم عليه السلام في الجنة ومن بعدها في الأرض واتخذوا أبناءه نظم الشعر للتعبير عن أحوالهم الشاعرية أو المؤانسة كما هو حال الشعراء اليوم .
وعرف العرب النثر العربي ونظمه وبلاغته كما عرفوا الشعر وكان للنثر الحظ الأوفر في المخاطبة والحكايات وفن القصص هو ما كان معروف لدى العرب قديما من خلال مجالسهم ومآدبهم الأدبية ، لغتنا العربية لغة عريقة لم تستجدي يوما عنوانا أو موضوعا من اللغات البقية .
لغتنا العربية كاشفة مانعة لكل موضوع يدخل إليها خلسه أو عنوة فهي محكومة بكتاب الذكر الذي جعله الله حاكما عليها قال تعالى ( إن هي إلا اسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان ) الشعر الحر القصيدة النثرية وما شابهها من اسماء طلاسمية اخترقت جسد اللغة لتأخذ مكانة ليس من حقها بل هو الكفر بعينه، وليكن في الأعتبار لابد من دراسة أي موضوع حديث يدخل على اللغة العربية دراسة فقهية جديرة بأن تكون ملتزمة باحكام القرآن الكريم وإلا سيضرب الحابل بالنابل ولم يبق لنا شيء من لغتنا العظيمة إلا وأخترق بموضوعات وضعية لا قيمة لها .
قال تعالى : (وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين ) يجب أن نفهم الآية الكريمة فهما بلاغيا وما المقصود الذي ترمي به ، هنا الأجابة جاءت لمشركي قريش يقول رب العزة بعد اتهام الرسول الكريم بأنه شاعر لقوة بلاغة القرآن الكريم والاحساس الشاعري في نغمات ألفاظه، فأتهمه المشركين بأنه يقول الشعر كما يقوله الشعراء فيؤثر بالنفوس وهذه أول أجابة جاءت لصدهم عن هرائهم الذي زمروا به ، فقال تعالى ( وماعلمناه الشعر وما ينبغي له ) بمعنى لم يعرف النبي قول الشعر ولم يستطع قوله ، ( إن هو إلا ذكر وقرآن مبين ) والذكر بمعنى كلمات تتغنى بشاعرية، ( وقرآن مبين ) أي قراءة متلوة تلاوة ، فيتضح بها الأمر .
وبعد هذا البيان يمكن عرض قاعدة الشعر العربي ، الشعر يتكون من أبيات القصيدة وكل بيت له قانون هو نفسه لباقي الأبيات ، أولا : القصيدة تبدأ بصدر البيت وعجزه ويسمى بيت القصيدة ، ثانيا : البيت ملزم بنغم البحر منسق على تفعيلات فاعلاتن فاعلاتن فاعلن وهكذا ولكل بحر نغم ، وقد حصرهن. الإمام أحمد خليل الفراهيدي بخمسة عشر بحرا، فلا يجوز أضافة بحر من لدن الشاعر فهذه الأبحر موزونة على ألفاظ اللغة العربية ومعانيها ، بمعنى ثاني البحر لم يكن من إنتاج الخليل وإنما أسلمهن من رؤية وقعت له وهذا ما ينبئ على توقيفية اللغة العربية ويعزم على إنها وحي من الله سبحانه ، ثالثا : البيت ينتهي بمعنى مطلوب للمقصود القصيدة ولا يجوز ربطه بمعنى لبيت آخر إلا إذا كان المعنى عظيما فكثرة ألفاظه في بيتين فقط ولا يجوز التعدي لأخر . رابعا : نغمة الألفاظ المفردة لابد أن تكون من صوت واحد ولا يجوز الصعود والنزول في الصوت للبيت الواحد حتى يجعل البيت مضطربا صوتيا وإن يضبط على نغمة البحر، خامسا : لا يجوز الأنتقال في معاني الأبيات كما يحلو للشاعر بل يجب الألتزام بمقصود القصيدة والتدرج في المقاصد الثانوية لها، سادسا : لا يجوز استعمال الألفاظ الفصيحة دون البليغة أو أطعام البيت بألفاظ فصيحة دون بلاغة فهذا يجعل المعنى مضطربا وليس فيه حس شاعري ، وبينت في عدة مناشير الفرق بين اللفظ البليغ واللفظ الفصيح، سابعا: القافية الشعرية لكل بيت قافية مجموع القصيدة قافية واحدة إن أتفقت الأبيات بمقصودها الثانوي مع مقصود القصيدة ولم يتطرق الشاعر لعدة مقاصد لأن من واجب الشاعر أن يجعل للقصيدة مقاصدا لكل مقصد قافية حتى اذا انتهى من مقصده الثانوي للقصيدة أنتقل بقافية جديدة لمقصد ثانوي أخر مجتمعهن في مقصد القصيدة الأخير ، القافية لها غايتين الأولى إتمام المعنى والثاني هو النغم الذي يحفظ القصيدة من الأضطراب ، وهذا ما كان من الأساسيات التي تبنى عليها القصيدة والأخريات سيكون لهن موضعا ثانيا في ذكرهن. وهنا تبين لنا إن الشعر له قواعد وأصول تبنى عليها القصيدة، أما الشاعرية والأحساس وأتفاق النغم كل هذا لا ينفع إن نقص واحد من أساسيات القصيدة في تسمية صاحبها بالشاعر أو تسمى هي بالقصيدة أو الشعر ، لأنك تتعدى حدود الله في ذلك انظر إلى أتهام القرآن الكريم بالشعر فقالوا شاعرا أو مجنونا ، أنظر كيف ينفي الله عن كتابه الكريم تهمة الشعر فقال ( وما علمناه الشعر وما ينبغي له ) فتسمية الشعر الحر والقصيدة النثرية من التسميات الغير رشيدة وما أنزل الله بها من سلطان ، وكل أمر وضعي أضيف للغة العربية فهو بدعه وكل بدعة ضلالة ، وقد ذكرت إن اللغة العربية هي وحي من الله فهي قادرة على أذلالك أمام الأمم إن أقترفت ذنبا بها وأظن حالنا هو كذلك .
مقتطفات من كتابي ( بلاغة الشعر ) نقلت من فكرته ما يسعفني في المنشور.
الباحث محمد عبد الكريم الدليميا
Discussion about this post