قصة قصيرة بعنوان { زلابيـا }
بقلم : قصي محمد
خرج من منزله ميمماً شطر السوق قاصداً شراء شيءٍ من أطباق حلاوة هذا الشهر، شهر رمضان.
لاقى أول ما لاقى صاحب طاولة المشبك أو الزلابيا كالح الوجه، مقطب الجبين، كأن طاولته لعرض المشاكل والعوائق لا لعرض حلوية رمضانية للبيع.
ازدادت سحنة الزلَّاب عصوباً، فاعترى صاحبَنا توجسٌ أحس به، فتفادى البائعَ الصَّلْب.
مرَّ بطاولات عدة، ووقف به المرور عند طاولة جذبه إليها تدافع الشُراة عليها.
من أحد الزبائن عرف أنها تحوي كل متعلقات الشهر من حلويات، مشروبات، وتمور متنوعة، فنوى أن يشترك معهم ليبتاع الزلابيا، لفت نظره لونيها: الأصفر الفاقع، والأحمر الشارق على طاولة ذلك الرجل.
ثم لم يلبث أن انغمس في رتل الأفراد حتى أخذ الشجار في جهة الأمام يتأزم، حاول أن يكون درجا بين المتنازعين، لكن سرعان ما أدرك صعوبة الأمر، فكانت عودته أدراجه من باب أولى.
أكرى سيارة أجرة، وطلب المنطقة الثانية، عساه يحصل على الزلابيا الحمراء أو الصفراء.. أو حتى الخضراء!
في غضون السير إلى المنطقة، اصطدمت سيارة الأجرة بسيارة آخر من الخلف، فنزل السائقان حانقان، مبتدئا صاحب السيارة الأخرى:
– أنت لا ترى شيئا أمامك.!
– بل أنت متوان.. رِجلك ذرة على المكبح!
كلٌّ يعزو الحق لنفسه، نزل يخيط بإبرة الصُّلح، ويحبط الخصومة الساخنة، فلم تُجْدِ محاولته فتيلاً. احتشدت أذناه بأكثر من خمسين لفظة جميلة! تراكمت صيحاتهما وضجة المصلحين في رأسه، أقلع عنهما برمتهما، متوجهاً صوب المنطقة مترجلاً.
صارت الشمس على وشك أن يأكلها الغروب. شرعت العوائل تصفِّف على سُفَر الإفطار مأكولاتها، وأمست حركات الناس في اضطراب متضاعف، القائد لسيارته يجري بحماس تكاد مكوّناتها تتفكك دفعة واحدة. إنَّ أحداً يسعى برِجليه حثيثاً نحو بيته، وآخر يدور حول نفسه في شارع حيهم كأنه الأرض التي عليها!
وصاحبنا في طريقه إلى الطاولة التي خال أنها تبيع الزلابيا. وبعد دقائق عدة يصل إلى المنطقة فيجد أكثر المحالّ هناك أغلقت:
– ألا يوجد طاولة تقلي الزلابيا في هذه الناحية. يستجوب شخصا.
– كان هنا عند أنفك.. ولقد شطب منذ قليل!
أردف:
– بوسعك أن تمد خطواتك إلى ذلك الشارع العريض، ففيه زلاب قد يحسن طالعك وتلقاه.
تقدم إلى تلك الناحية البعيدة المشار إليها، فبلغها وبلغ معه أذان المغرب!
فالوضع، لا صوت يدوي في الشوارع وإن مثقال نفس، اللهم إلا صوت نوى التمر ترمى الواحدة بعد الواحدة على السفرات. وضحكات الناس وهم يفتتحون فطورهم بالبسملة.
رُشِق بنواة من صبي بارد النسيم، يقول من أعلى نافذة:
– إلى إفطارك يا لعين!
يظهر أن الصبي وحده من كان يترصد الفرادى من المارة كل غروب!
هاتفته زوجه:
– لم نبتلع شيئا.. أين أنت؟!
– اللحظة في المنطقة الثانية، جئتها متأخراً لإحضار طبق زلابيا، ولم يحالفني الحظ في شراءها.
– اآه.. من أجل ذلك؟!.. لا يتكل عليك!
جلس على إحدى الأرصفة، ينتظر بعض الأشخاص فيستسقيه بشفافة ماء على الأقل.
افترش الرصيف، تحت ريح غروبية لينة، تمسد وجهه راثية له، كأنما تحيد عنه مشقة صومه، الذي سيمسي أطول صوم في ذلك اليوم، فلم تَحْتفِ معدته بلقمة إلا عقب رجوعه إلى منزله بعد العِشاء□.
Discussion about this post