بقلم الكاتب الصحفي … سعيد الخولى
كان المسحراتى زمان يلعب دور البطولة فى ملعب الصائمين ليقوم بإيقاظهم لتناول السحور،ولو نظرنا إلى المسحراتى الآن ومسحراتى زمان لاستنتجنا أنه الآن لم يعد له نفس الأهمية سوى الوجود الفلكلورى التراثى باعتباره من لوازم رمضان لدى المصريين وغيرهم من البلدان التى يلعب فيها المسحراتى دورا مهما عند الصائمين.وإذا ماعدنا للواقع الحياتى لدى أغلب الناس حاليا لرأينا كيف قلبوا الليل نهارا والنهار ليلا ولم تعد فطرة الله فى جعل النهار معاشا والليل لباسا تجد صداها عند الكثيرين،سواء إجبارا لظروف العمل أم اختيارا بالسهر دون مبرر قوى اللهم إلا تغير الامزجة والعوامل النفسية ؛فضلا عما تلعبه التكنولوجيا الحديثة والعبث بها بدلا من الاستفادة منها فى قتل الإحساس بالوقت ليصير منتصف الليل وقتا لبدء اليوم لدى كثيرين بدلا من أن يكون وقتا للاستغراق فى النوم والاستعداد ليوم جديد . وظنى أن المسحراتى فى ظل هذه الأجواء انقلبت وظيفته من إيقاظ الناس لتناول السحور إلى تنبيه الناس أن الفجر قد اقترب وهم مازالوا مستيقظين دون داع من منطق أو لزوم ظروف عمل.
وما تزال الذاكرة تسترجع تلك الليالى الرمضانية وقد نامت الناس بالقرية والمسحراتى يصطحب طبلته الشهيرة وزخمته القصيرة،وهى لمن لايعرفها قطعة من الجلد السميك كان المسحراتى يقرع بها طبلته لتحدث نقرة مميزة كانت تتجاوب أصداؤها فى طرقات مصر ريفا وحضرا،ويتذكر كثيرون تلك النقرات المنتظمة لطبلة المسحراتى وقد تقمص دوره الموسيقار الراحل سيد مكاوى وهما يقدمان للساهرين والنمستيقظين للسحور وجبة يومية كان التليفزيون يذيعها قبل الواحدة صباحا،وفى كل ليلة كان الثنائى يقدمان رؤية مجتمعية من خلال أشعار فؤاد حداد ويناقشان فيها قضايا ويقدمان رؤية فنية على كلمات الشاعر الراحل فؤاد حداد رحمهما الله
وفؤاد حداد هو المؤسس الحقيقي لشعر العامية الملحمي في مصر، وكان دائما ما يعرف نفسه قائلا: أنا والد الشعراء. فؤاد حداد. أطلق عليه كذلك فنان الشعب، حيث استلهم من الشعب المصري، عددا من الملاحم التي كتبها، مثل أدهم الشرقاوي.
ولد فؤاد سليم حدٌاد بحى الظاهر بالقاهرة، والده سليم أمين حدٌاد ولد في 5 يونيو 1885 في بلدة ‘عبية’ بلبنان في أسرة مسيحية بروتستانتية لوالدين بسيطين اهتما بتعليمه حتي تخرج في الجامعة الأمريكية في بيروت متخصصا في الرياضة المالية ثم جاء إلى القاهرة قبيل الحرب العالمية الأولي ليعمل مدرسا بكلية التجارة جامعة فؤاد الأول ويحصل علي لقب البكوية وعندما تنشأ نقابة التجاريين في مصر تمنحه العضوية رقم واحد، وما زالت كتبه وجداوله تدرس باسمه حتي الآن.
أما والدته فهي من مواليد القاهرة في 19 يونيو 1907م جاء أجدادها السوريون الكاثوليكيون الي مصر واستقروا فيها وولد أبواها في القاهرة. أبوها من عائلة أسود التي جاءت من دمشق الشام وأمها من عائلة بولاد من حلب، وفي المعتقل تحول “فؤاد حداد” إلى الإسلام.
تعلم في مدرسة الفرير ثم مدرسة الليسية الفرنسيتين، وكانت لديه منذ الصغر رغبة قوية للمعرفة والإطلاع على التراث الشعري الذي وجده في مكتبة والده، وكذلك على الأدب الفرنسي من أثر دراسته للغة الفرنسية. اعتقل فؤاد حداد عام 1950 لأسباب سياسية، ثم عاد واعتقل مرة أخرى عام 1953.
نشر حداد ديوانه الأول “حنبني السد” بعد خروجه من السجن عام 1956، واعتقل مرة أخرى عام 1959 لمدة خمس سنوات، وخرج ليكتب في شكل جديد لم يكن موجودًا في الشعر العربي، وهو شعر العامية فكتب أشعار الرقصات مثل “الدبة” و”البغبغان” و”الثعبان” وغيرها.
كتب “المسحراتي” لسيد مكاوي 1964 وكتب له البرنامج الإذاعي “من نور الخيال وصنع الأجيال” 30 حلقة عام 1969 والذي كانت أغنية “الأرض بتتكلم عربي” قطعة منه. أصدر 33 ديوان منها 17 ديوان أثناء حياته والباقي بعد وفاته
ومن قصائده للمسحراتى “مسحراتى القدس ” التى تقول كلماتها:
مســحـراتى يا مؤمنين
مـنـقـراتى مد الأنين
الله على رعشة الحنين
عمره ما كان الأمل ضنين
يا قدس نوارة السنين
كأن عينى فى ميتمى
يا قدس ما يحتمل دمى
الا أشوفك وأرتمى
وأبوس ترابك المريمى
أبوىَ وابنى على فمى
ما اتوهش يا قدس فى المطال
يا عاصره مهجة الرجال
سقاكِ من دمعته الهلال
يا قدس يا سبحة الشقا
الأعمى فى سجدتك رأى
والفجر من صخرتك سقى
يا قدس تتفجر الجراح
والصبر حرب وأيوب صلاح
يا أخت من مكه والبطاح
قلبى انضرب للعرب وصاح
لابد من فتح فى الصباح
المشى طاب لى
والدق على طبلى
ناس كانوا قبلى
قالوا فى الأمثال:
“الرجل تدب مطـرح ماتحب”
* * *
وانا صنعتى مســحـراتى فى البلد جوال
حبيت ودبيت كما العاشق ليالى طوال
وكل شبر وحته من بلدى
حته من كبدى
حته من موال:
لما تقول أجمل ما فى الدنيا، الميه للعطشان
يعرفوك عربى
أما للراوى ريحة البرتقان فى مداخل يافا
يعرفوك عربى
لما تقول ابنى اتولد لاجئ
يعرفوك عربى
لما تقول يا رب
يعرفوك عربى
لما تباشر جهادك، ترمى أوتادك
فى قلب دابح ولادك
يعرفوك عربى
-لكن قبل سيد مكاوى وفؤاد حداد كان المطرب الراحل محمد فوزي هو أول ” مسحراتى ” إذاعى فى عام 1955 كما يذكر الكاتب الصحفى الكبير عاطف النمر فى صفحته “كنوز” بصحيفة “الأخبار” العريقة، حيث يذكر النمر أنه انطلق صوت محمد فوزى عبر الإذاعة في بداية شهر رمضان الكريم وهو يتقمص شخصية ” أول مسحراتى إذاعى ” في كلمات كتبها شاعر الشعب بيرم التونسى كما كتب له أيضا الشاعر عبدالعزيز سلام ولحنها فوزى لنفسه ، وعندما طلبت منه مجلة ” الكواكب ” ان تجرى معه حوارا صحفيا حول أول أغنية يستلهم فيها شخصية ” المسحراتى ” أرتدى محمد فوزى طاقية وجلباب ” المسحراتى ” وحمل المقرعة والطبلة وصورته المجلة وهو يتجول يقرع علي ” الطبلة ” ويؤدى ببراعة شخصية المسحراتى ، والتقط له مصور ” الكواكب ” عدة صور نادرة يحقق بها السبق لنفسه قبل ان يظهر الشيخ سيد مكاوى كمسحراتى تليفزيونى حقق نجاحا كبيرا مع الناس بكلمات فؤاد حداد ، وقد اطلقت مجلة الكواكب علي محمد فوزى في عنوان بارز لقب ” المسحراتي الشيك” ونشرت نص كلمات الأغنية الدينية التى قال فيها : ” يا عباد الله .. وحدوا الله.. أنا أمدح المولي الغفور الودود .. اللي تجلت رحمته في الوجود.. الأرض و السماوات عليا شهود.. أشهد له سبحانه بعز سلطانه .. ومن صميم قلبي أشكر له إحسانه.. يا مؤمنين وحدوا الله .. لا إله إلا الله.. سبح إله العرش واخضع إليه.. هو الوحيد اللي انت رزقك عليه.. الملك والملكوت عطية ايديه.. لو مرة ينظر لك لابد يغفر لك .. و يدخلك جنة فيها ما تتمني .. يا مؤمنين وحدوا الله .. لا إله إلا الله.. يا رب تلطف بالعباد في قضاك .. انت اللي مالك شريك في علاك.. تبلغ الصايم نهاية رضاك.. وتحفظ الإسلام علي مدي الأيام ..دا اللي اعتماده عليك يا رب لا ينضام.. يا مؤمنين وحدوا الله .. لا إله إلا الله ” .
Discussion about this post