بقلم الكاتب الصحفي … سعيد الخولى
رمضانيات 2023
(5)
حكاية الكنافة والقطايف وأم على
كثيرة هى الأشعار التى تناولت شهر رمضان استقبالا واحتفالا وأيضا تبرما لدى البعض ،كما تكثر الأشعارُ عن الأحداث العظيمة في رمضان كليلة القَدْر وغزوة بدر، ونزول القرآن وصلاة التراويح، وتكثر الأشعار كذلك عن العادات والتقاليد كظاهرة المسحراتي والفوانيس وغيرها مما يطول بنا المقام لو رحنا نعدده ونقف على أقوال الشعراء فيه، لكن من أطرف الشعر ما قيل في حلوى رمضان من الكنافة والقطائف والمشمشية وغيرها. وقد اشتهر بها عدد كبير من الشعراء منهم ابن الرومي وأبو هلال العسكري وابن نباتة المصري، وأبو الحسن الجزار، والصفدي وأبوالفتح كجاشم، وغيرهم. وقد كتب السيوطي رسالة لطيفة في هذا الموضوع عنوانها «منهل اللطايف في الكنافة والقطايف». وقد كثر شعر الشعراء فيهما، ومن ذلك قول ابن هبة الله المصري:
وَأَتَى الصِّيَامُ فَوَافَتْنَا قَطَائِفُهُ ** كَمَا تَسَنَّمَتِ الكُثْبَانُ مِنْ كَثَبِ
أَهْلًا بِشَهْرٍ غَدَا فِيهِ لَنَا خَلَفٌ ** أَكْلُ القَطَائِفِ عَنْ شُرْبِ ابْنَةِ العِنَبِ
ويجدر بالذكر أن القطايف معروفة منذ العصر العباسي؛ وجاء ذكرها في شعر ابن الرومي وكشاجم وغيرهما، ومنهم من شبهها بحقاق ـ جمع حُق وهو معروف لنا فى العامية المصرية ـ من العاج، ومنهم من شبهها بوصائف قامت بجنب وصائف. ومنهم من شبهها وقد رصت في الأطباق بالمصلين الذين يسجدون وراء الإمام، وها هو أحدهم يقول :
لله دَرُّ قَطَائِفٍ مَحْشُوَّةٍ ** مِنْ فُسْتُقٍ دَعَتِ النَّوَاظِرَ واليَدَا
شَبَّهْتُهَا لمَّا بَدَتْ فِي صَحْنِهَا ** بِحِقَاقِ عَاجٍ قَدْ حُشِينَ زَبَرْجَدَا
أما الكنافة فيروى أن الشعراء المصريين كانوا أول من ذكرها في أشعارهم وأول من تغنى بها. ومن هؤلاء أبو الحسن الجزار المصري إذ يقول:
سَقَى اللهُ أكْنَافَ الكُنَافَةِ بالقَطْرِ ** وَجَادَ عَلَيْهَا سُكَّرٌ دَاِئمُ الدَّرِّ
وَتَبًّا لأوْقَاتِ «المخلل» إنَّهَا ** تَمُرُّ بِلا نَفْعٍ وتُحْسَبُ مِنْ عُمْرِي
وكان الشعراء يتغزلون في الكنافة ويصفون محاسنها وجمالها ويتمنون دوام وصالها ويتألمون لهجرها وفراقها ويشكون من صدها وإعراضها، ومن ذلك قول الجزار أيضا:
وَمَا لي أَرَى وَجْهَ الكُنَافَةِ مُغْضَبَا ** وَلَوْلَا رِضَاهَا لَمْ أَرِدْ رَمَضَانَها
عَجِبْتُ لَهَا مِنْ رِقَّةٍ كَيْفَ أَظْهَرَتْ ** عَلَيَّ جَفًا قَدْ صَدَّ عَنِّي جِفَانَهَا
تُرَى اتَّهَمَتْنِي بِالقَطَايِفِ فَاغْتَدَتْ ** تَصُدُّ اعْتِقَادًا أَنَّ قَلْبِيَ خَانَهَا
ومن الشعراء أيضا من وازن بين الكُنافة والقطايف وفضل الكنافة عليها. ومنهم من أظهر الكنافة بمظهر الساخر من القطايف المحتقر لها. ومثال ذلك قول ابن عينين :
غَدَتِ الكُنَافَةُ بِالقَطَايِفِ تَسْخَرُ ** وَتَقُولُ إنِّي بالفَضِيلَةِ أَجْدَرُ
طُوِيَتْ مَحَاسِنُها لِنَشْرِ مَحَاسِنِي ** كَمْ بَيْنَ مَا يُطْوَي وآخَرَ يُنْشَرُ
فَحَلَاوَتِي تَبْدو وتِلْكَ خَفِيَّةٌ ** وَكَذَا الحَلَاوَةُ فِي البَوَادِي أَشْهَرُ
لكن تبقى حكاية الكنافة وأنواع الحلوى الأخرى الرمضانية جديرة بالرواية لما فيها من طرائف ومواقف، ومن أطرف ما طالعته موضوع كتبه شخص يدعى يوسف علاونة كمنشور على الفيس بوك وللحق لست أدرى من يكون هذا الصديق كاتبا كان أم مجرد ناشط فيسبوكى لأن المنشور عمره حوالى 9 سنوات ورأيت أن نعيد قراءته معا لما فيه من طرافة وحلاوة أيضا تضاهى حلاوة أصناف الحلوى فيه.وتقول سطور المنشور:
تقول روايات تاريخية إن الكنافة عملت خصيصا لمعاوية بن أبي سفيان أمير المؤمنين رضي الله عنه، وأن البسبوسة عملت لآل البيت رضى الله عنهم، فيما كانت المهلبية من أجل المهلب بن أبي صفرة..!
ومعاوية كان يحب الطعام بدليل حديث عن أبي هريرة!.. لأن أبا هريرة كان في فتنة صفين يأكل عند معاوية ويصلي خلف علي!
وهم أصلا كانوا جميعا معا!..
وقد سألوا أبا هريرة رضي الله عنه: لم تأكل عند معاوية، وتصلي خلف علي؟!
قال: طعام معاوية أدسم، وصلاة علي أفضل!..
أما معاوية فلما ولي الأمر في عام الجماعة، فإنه كره شوقه للطعام وحبه للحم والثريد كعادة كل القرشيين، فقال لمن حوله من حاشيته: أريد طعاما يجعلني أعاف الطعام!
فذكر له هؤلاء أمر حلوى تصنع في نابلس من أعمال فلسطين، وهي تابعة لولايته، فسورية التي حررها الإسلام وحدد مسؤوليتها عمر تضم من تبوك حتى أضاليا وأنطاليا (بعد الاسكندرونة)، ومن الجزيرة الفراتية مرورا بحلب وحمص حتى العريش!
هذه سورية التي وليها معاوية عشرين سنة ونيف!..
أي أن ولاية معاوية كـ “والٍ” لا كخليفة كانت تضم أجزاء من تركية وسورية “يا ابن عمي” والاردن “يا بيك” ولبنان “يا دللي” وأجزاء من مصر “يا باشا”..
المهم معاوية سأل: ما هذه الحلوى؟!.. قالوا له اسمها الكنافة!.. وهي جبن نعاج ـ أى جبن ضانى بتعبير المصريين ـ وسميد قمح و.. عسل.. أقول عسلا وليس سكرا.. “مالت” على حظ هذا الزمان!..
فأحضروا صانعا من نابلس إلى دمشق وأعدها لمعاوية، فذاقها فعشقها فهي وجبة كاملة، تجعلك تعاف الطعام، أي أن معاوية استخدم الكنافة كـ “ريجيم”!..
أما المهلبية فصنعت للمهلب بن أبي صفرة أبرز قادة فتح آسيا!..
والمهلب هذا كان لديه دائما أربع زوجات وأربعمئة جارية، وفي معركة واحدة كان معه 400 ولد!..
وكان المهلب فخورا بنفسه، معتدا حيث هداياه للخليفة مثلا، كانت في مرة نخلة من ذهب وقطوفها من زمرد!..
والمهلب أصلا من عمان.. وكان بين أبنائه والحجاج منافسة شديدة وغيرة وتسابق لترضية عبدالملك بن مروان، ومن بعده ابنه الوليد.
وفي مرة دعا ابن المهلب الحجاج لبيته وقدم له الحلوى فاستطابها الحجاج.. قال له: ما هذه!؟.. فانتفخ (ابن المهلب) وهو يقول: مهلبية!
فاجتج الحجاج قائلا:
أجعلت الحلوى على اسم أبيك يا ابن المهلب؟!..
أما البسبوسة فهي خليط سميد قمح وعسل أو سكر، وآل هاشم حسب جدهم هاشم الأكبرجد عبدالمطلب
كانوا يعتزون باسمهم الذي جاء من هشم الخبز على الثريد واللحم، فكان هاشم المسماة غزة باسمه حيث دفن غزة هاشم.. يفعل ذلك للحجيج فسمي هاشم!..
وفيما تلا فتنة استشهاد عثمان رضي الله عنه انحاز الموالي لعلي كما هو معروف، وكان ذلك موقفا طبيعيا أمام ما أحسوه من عنجهية العرب!.. فصنع هؤلاء لجيش علي عليه السلام، شيئا من قبيل تراث الهشم عند الهاشميين، وهو خلط السميد بالعسل فتطورت حتى صارت البسبوسة..
والاسم الأول والأساسي لـ (البسبوسة) هو (الهريسة)، لطريقة صنعها هرسا على نفس طريقة التهشيم لهاشم، فصارت منتشرة بالكوفة حيث مقر أمير المؤمنين “الراشد” الأخير..
بعد ذلك عرفنا نحن العرب من الفرس جراء امتزاج الأمتين، نوعين من الحلوى هما الفالوذج واللوزينج!..
الفالوذج من مكوناته الجوز، واللوزينج كما هو الاسم من اللوز، فهو مثل القطائف تقلى بزيت اللوز وتغرق بالعسل، وكان الرشيد يحب الفالوذج وكانت زبيدة زوجته تحب اللوزينج!..
فاختلفا أيهما أطيب!؟..
فجاء القاضي أبو يوسف لمجلس الرشيد فطلب منه الحكم بينهما!..
قال يا أمير المؤمنين لا أستطيع الحكم على غائب!..
فأحضروا له النوعين.. فالوذج ولوزينج!.. وصار أبو يوسف يأكل لقمة من هنا ولقمة من هنا والرشيد يسأله: أيهما أطيب؟!.. فيقول: مولاي كلما جئت لأحكم لأحدهما أحضر الآخر حجته فتساويا!..
أما أم علي.. فتلك حكاية أخرى لأم علي عندما سقطت شجرة الدر ضرتها، ففرحت وخلطت هدايا الناس من الحلوى فصارت حلوى أم علي..
..رمضان كريم وكل كنافة وقطايف وأنتم سعداء
Discussion about this post