طائر القُمري,,,,,,
بقلم الشاعرة والكاتبة ريم قمري
أحب السفر كثيرا، كأني ولدت على ظهر راحلة، او في سفينة تمخر عباب البحر، أو طائرة ، أو أي وسيلة من وسائل النقل القديمة و الحديثة.
هكذا أنا مسكونة بروح السفر ، بي رغبة دفينة و قوية تحرك داخلي مشاعر مختلطة من حنين و شوق و فضول للترحال و اكتشاف بلاد جديدة لم بسبق لي من قبل زيارتها.
يتملكني شعور غريب و مبهم، و كأن نداء السفر و الرحيل اذا ما أطللت المقام و السكون، يصهل بل يعوي داخلي.
انها ربما استجابة ، لقوة خفية داخلي تصرخ بي لالبي نداء الترحال.
و قد يفسر هذا أيضاً بعامل الوراثة و الجينات، وقد انعكس على إسم العائلة ، و هذا يعود الى تاريخ قديم، كان جدي رحمه الله ، يطنب في الحديث عنه حين كنا صغار، نتحلق حوله انا و اخوتي و أبناء عمي، كلما جاءوا في زيارة.
كانت تتألق عينه السليمة ببريق غريب و هو يعدد مناقب جده، حتى عينه العوراء كان يتهيأ لي أنها أيضا تلمع ببريق خاص حين يبدأ حكايته عنه.
كان جدنا الأكبر فارسا لا يشق له غبار ، يشق البلاد شرقا وغربا و هو على صهوة مهرته الصهباء، كان لا يقر له قرار، يركب الريح بمعية فرسه و لا يترك خلفه أثرا، ابن الجبال الشامخة ورث منها صلابتها ، يحب السفر و هو ما جعل أبناء عرشه يطلقون عليه لقب ” القُمري” كناية بطائر القُمري ، كان مثل الطائر يصعب الإمساك به لانه لا يحب الركون و البقاء في مكان و معين و يكره الاستقرار،
لم يكن بدويا بالمعني التام للكلمة ، كان صاحب أراضي كبيرة و ممتدة، أي أنه كان من كبار الفلاحين في منطقته و كان شجاعا مهيب الجانب، لم يدخل حربا الا و كسبها ، يجيد المنازلة بالسيف ، و عن مهاراته كفارس، و في هذه النقطة تحديدا كان يختلط الحقيقي بالخيالي، و الواقعي الأسطوري، كان يطنب جدي في وصف مناقب جده ، الذي نازل بمفرده حملة أرسلها الباي للقبض عليه و هزمها منفردا، و عن تميمة تسمى ” حزب المرجانة” شق اعلى ذراعه و خاطها فيها و هي التى كانت تحميه وتمنحه قوة جسدية مهولة.
كنت و انا صغيرة اتخيله كثيرا، و ارسم له عدة صور في خيالي، لم أنجح في رسم صورة كاملة و ثابته له، تخيلته عملاقا بشارب كثيف، أحياناً أشقر مثل جدي ، و احيانا أسمر كما أفضل.
سيرته كانت تؤثث طفولتنا، و موته ظل بالنسبة لي دليلا على ان من يصاب بلعنة السفر و التحليق حرا يموت اذا ما سجن داخل قفص السكون و الاستقرار.
الخيانة الوجه البشع للحياة ، هي من جعلت ابن عمه يحتال عليه بخدعة قذرة و يغافله و هو نائم في مخدعه ، و يسهل دخول عناصر من صبايحية الباي ، ليقبضوا عليه و هو نائم.
لم يتحمل الطائر الحر السجن، و لو لليلة واحدة فمات بالسجن قبل ان يمثل حتى أمام الباي، داخل سجنه مات حرا كما كان دائما، طائرا يفرد جناحيه و يحلق عاليا في الفلاة.
أنا حفيدة حفيده ، احمل كنيته و احمل أيضا دمائه تسري داخل دمائي، لذلك كلما نادني إله الرحيل لبيت النداء و حلقت كما يفعل طائر القُمري.
أغلقت مكالمة الواتس اب مع صديقتي ليلي من مارسيليا، بعد ان تحدثنا طويلا عن زياراتي لها قبل ان تكبلنا سلاسل الكرورنا اللعينة، اقترحت علي أن آتي لزيارتها بداية هذا الصيف، قالت لي تعالي بالطائرة، بداية شهر جوان ، و نعود معا لتونس عبر البحر، أنت لم نسافري من قبل بحرا ، سيكون اكتشافا جميلا و ستحبين ذلك.
دغدغ كلامها عصب السفر داخلي ، قلت لها سافكر جديا في الموضوع، بدا لي ممتعا ان اتحدي دوار البحر، و اسافر على ظهر المالح.
رجعت أتأمل صوري بمدينة مارسيليا قبل اربع سنوات، كلها مخزنه في ذاكرة جوجول للصور، و ابتسمت لفكرة اضافة مجموعة جديدة من الصور قريبا ربما.
بقلم الشاعرة والكاتبة ريم قمري
Discussion about this post