بقلم الأديبة … هادية آمنة … تونس
*********
شاع المرح في أعطاف تلك الفتّانة المحاسن فاتن التي إغترفت الأبصار وشغلت الأنظار في سيرها الرشيق . وجهتها تلك البناية الفخمة التي سكنها سابقا ممثلي القناصل الفرنسيين لتصبح بعدها مقرّ الإقامة العامة لفرنسا وقفت بين تقاطع طريقين آخر شارع ” جول فيري ” الذي صار يُسمى بعد الاستقلال بشارع الحبيب بورقيبة تستردّ أنفاسها ناظرة إلى الحمام المنتشر في الساحة الفاصلة بين سفارة فرنسا وكتدرانيّة القديس فنسون دو بول .
من بين النباتات المعروشة و الخمائل المُزهرة والكروم نظر مبنى السفارة بعيون نوافذه إلى الزائرة الجديدة أدهشته وأدهشها بسواريه الرخاميّة وأروقته المتعددة المستظلة بأسقف بديعة الزخرفة عاكسة لنمط حياة مترفة شهدها منذ بداية تكوينه ليكون لائقا بساكنيه .وضيوفه من النبلاء و الحسان والساسة .
قرعت أرضيته المرمرمرية بكعبها العالي الخنجريّ لتجتاز قاعة محاطة الجوانب بمرايا أطرها من الخشب المُطعّم بالعاج توسطتها طاولة مرّقشة برسوم وجوه نصفيّة محفورة على جوانبها عليها شمعدانات ذات أذرع متعددة .
ـ السيّد باتريك في إنتظارك تفضلي مدام
ثمّ دفع العون الباب الخشبيّ العالي فانزلق خفيفا لينفتح على مكتب فخم خلفه كرسيّ متطاول بذراعين منجّد ومغلّف بالجلد .
ـ أوووه هوه ما هذا الحسن .
ثمّ وقف . تقدّم وانحنى أمامها مقبّلا يدها .
بتسريحة ذيل الحصان المرتفع من أعلى منتصف الشعر الأسود الفاحم بدت جذّابة جريئة وهي تخطر أمامه رافلة بتنورة سوداء ميدي بفتحة من الخلف عليها بلوزة محبوكة صيفية مقلّمة بيضاء وسوداء .تحتها قميص من الحرير الأبيض بياقة مطويّة .
ـ حتما ستثيرين غيرة الباريسيات بهذه الأناقة والجمال .
أجلسها على كرسيّ قبالته ثمّ قال لها ماذا تشربين ؟
صمتت فأعاد السؤال
ـ قهوة أم عصيرا .
ـ عصير برتقال .
شربت سريعا العصير ثمّ وقفت ضاحكة قائلة
ـ باتريك أين مكتبي ؟
ـ ليس لك مكتب .
فانزعجت وبدا عليها الاضطراب .
ـ هل كنت تسخر منّي عندما قلت لي أنني سأكون موظّفة استقبال .
ـ اسمعي نحن نحتاج لك في وظيفة أهم بكثير من عونة إستقبال ثمّ دار خلفها وهمس في أذنها بأنفاسه الحارة الملتهبة.
ـ العلاقات العامة والتشريفات عزيزتي .
ثمّ عاد للجلوس على مكتبه وقد علت تقاسيمه مسحة من الجديّة
ـ بعد دورة تدريبيّة تحت إشراف مختصين تطول أو تقصر حسب مؤهلاتك التي أراها أمامي عظيمة. تبدئين في مباشرة عملك ثمّ نظر في ساعته معتذرا طالبا منها الالتحاق بمكتب إيزابيلا …
بقلم الأديبة …. هادية آمنة
تونس
Discussion about this post