الأديبة حسيبه صنديد قنوني تكتب (لم ينته الدرس)
…البداية …
………………..
……………………
..
في نهاية شهر سبتمبر من بداية السبعينات اجتمعت و زملائي المتربّصين مع المسؤولين عن تأطيرنا و توجيهنا و وقع تقسيمنا الى فريقين لتلقّي الدروس النظرية و التطبيقية باللغة الفرنسية للسنة الرابعة ابتدائي و مدّنا مدير التربص بالتوقيت المناسب و بأسماء المدارس التي سنلتحق بها …أشرقت شمس غرّة أكتوبر وكان اللقاء الاول بالتلاميذ في مدرسة ” ابو حامد الغزالي “استقبلنا المدير سي حمدة الزرقاطي رحمه الله بحفاوة وكان رجلا وقورا في سن الستين يكمل آخر ايامه المهنية ليحال على شرف المهنة في نهاية السنة الدراسية…و عرّفني على زملائي في المدرسة أذكر منهم مدام مكني الرقيقة السمراء ذات الانف الدقيق جدا و مدام جماعة الانيقة الراقية زوجة الكولونيل و الآنسة الغضاب بتسريحة شعرها في شكل ذيل الحصان و السّيد شعبان الأهيف الطويل و السّيد العجيمي ذو البطن الكبير و السّيد زين العابدين المبتسم والماسك دوما بوردة في يده وزوجته منيرة الوديعة المطيعة و لا ادري لماذا رسخت في ذهني اسماء هؤلاء دون غيرهم ، ربنا لما يتميزون به من أشكال مختلفة و حركات طريفة و ابتسامات لا تفارق وجوههم ، مما جعلني اقلدهم في حفل اختتام السنة الدراسية وكانت جلسة أسرية ممتعة لا تنسى .. ثم قدّم لنا الاقسام التي سنتولّى تدريسها ومدّنا بجداول الأوقات و قائمات اسماء التلاميد على أمل اللتحاق بفصولنا من الغد صباحا ..كان نصيبي من العمل السنة الرابعة فرنسية مع أطفال في عمر عشر سنوات كل يوم من الساعة العاشرة الى منتصف النهار …
في الصباح أشرقت شمس اكتوبر لينة و أرسلت لي خيوطها الدافئة لتوقظني و تدفعني الى قسم الاربعين تلميذا وبدء حياة جديدة أتحمّل فيها مسؤولية تربيه الأجيال وتعليمهم ،ورغم الضجيج كنت سعيدة بمصافحة البراعم الصغيرة ، أتفرّس في وجوههم و أتأمّل حركاتهم و أعجب بجمال نجوى وقسمات وجهها الظريفة و زرقة عيني غادة وشعرها الاشقر و شعر ليلى الأسود الناعم الطويل و فخامة كمال في اكتمال جسده الذي يفوق عمره ، و قصر قامة أحمد المتكوّر في مقعده ، و نظرة ثابت العميقة المتفرّسة في لباسي و مظهري ، و لمحة الحزن التي تكسو وجه منى وهي تحاول رسم ابتسامة فتبدو كالموناليزا في انكسار نظرتها …و بين هذا و ذاك و هذه و تلك أعقد علاقة صداقة و تعارف و تواصل في كنف المحبّة و التفاهم حتى تعمّ الفائدة و يحصل النجاح …كانت الحصّة الاولى و الخطوة الأولى في رسم في رسم طريق العمل و التعامل ، لذلك لم تكتس صبغة تعليمية بل اعتمدت فيها على التعارف والتقارب و النصح و الارشاد و ركزت على التربية و حسن الأخلاق فبها تتحقق الأهداف و ترقى الأمم ، فالطريق طويل و الأيام سنتقاسمها عملا واجتهادا وجدا و هزلا و تعبا و راحة و نجاحا و فرحا …
Discussion about this post